عامله على دمشق عز الدين أيدمر ببنائها في الناحية الشمالية الغربية من الجامع الأموى. (المقريزى: السلوك، جـ ١، القسم الثاني، ص ١٦٢؛ المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ ٣، ص ٢٤٠ وما بعدها).
وكان حكم بيبرس جديرا بأن يعد امتدادا للازدهار الذي أصاب المدينة منذ عهد نور الدين؛ وكانت العلوم تنشر فيها باطراد، وحسبنا أن نذكر شاهدا واحدا على ذلك هو اسم "النووى". ولكن المدينة أصابها شئ من الاضمحلال في عهد سلاطين المماليك المتأخرين، وظلت المدينة الثَّانية في الدولة بلا منازع، وكان من الطبيعى ألا يولى على هذه الولاية التي كانت أهم الولايات جميعا إلا أبرز المماليك وأعظمهم. ولكن سرعان ما نشأ عن ذلك تنافس بين السلطان في مصر وعامله على دمشق. وكان السلطان دفعا لهذا التنافس يعين بنفسه أمير القلعة مستقلا عن سلطة الوالى، وأدى هذا بطبيعة الحال إلى توتر دائم في العلاقات بين هذين العاملين. وما إن خُلع السعيد بن بيبرس وتولى قلاوون السلطة حتَّى ثار سنقر الأشقر عام ٦٧٨ هـ (١٢٧٩ م) مؤيدا بفتوى من قاضى القضاة ابن خلكان، ولكن هذه الثورة أخمدت في العام التالى. وحدث أثناء الاضطراب الذي أعقب اغتيال الأشرف خليل، أن أحاطت بالسلطان "كتبُغا" كتائب من الجند تابعة للاجين في قلعة دمشق، وأرغم كتبغا على التسليم عام ٦٩٦ هـ (١٢٩٧ م). ويقال إن نائبا آبقًا من دمشق يدعى "قبجاق"، هو الذي تسبب في استقدام حملة غازان المغولية عام ٦٩٩ هـ (١٣٠٠ م) وقد لقيت دمشق من جرائها شر الدمار خلال المعارك التي نشبت بين المغول الذين كانوا يحتلون المسجد، وبين المماليك الذين كانوا يستميتون في الدفاع عن أنفسهم بالقلعة، على حين خربت أرباض المدينة مثل الصالحية تخريبا تاما. وسوى جند حامية القلعة الأماكن المجاورة كلها بالأرض، من باب النصر إلى باب الفرج، أما المغول فقد أحرقوا أقسامًا كبيرة من المدينة، منها دار الحديث التي شيدها نور الدين. وسرعان ما ارتد المغول، وخضع