للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له، والأقوال التي أثرت عنه، كل أولئك وغيره مما سنفصله بعد سيظهرنا من غير شك على أن الطابع الَّذي غلب عليه كان مصريًا، وعلى أنَّه قد استمد تلك العناصر من صميم الحياة المصرية، وأنه وإن كان واحدا من أئمة صوفية المسلمين، الذين ظهروا في تاريخ التصوف الإسلامى، فإنه كان أولا وقبل كل شيء إمامًا لمن ظهر من الصوفية المسلمين في تاريخ التصوف المصري.

والمؤرخون والمترجمون الذين ترجموا لذى النون، وأغفلوا ذكر تاريخ مولده، واختلفوا حول موطنه الَّذي كان فيه مولده، متفقون على التاريخ الَّذي كانت فيه وفاته: فكلهم مجمع على أن وفاة ذى النون كانت في ذى القعدة سنة ٢٤٥ هـ (١) واتفق معهم في ذلك ابن خلكان، ولكنه زاد على ذلك ما قيل من أن هذه الوفاة كانت سنة ٢٤٦ هـ أو سنة ٢٤٨ هـ (٢) فإذا أخذنا سنة ٢٤٥ هـ على إنها هي أضبط تاريخ لوفاة ذى النون، وذلك بحكم اتفاق السواد الأعظم من المؤرخين والمترجمين عليها، وإذا

عرفنا أن السيوطي في ترجمته لحياة ذى النون قد ذكر أن عمره عند وفاته كان قد قارب التسعين (٣)، استطعنا أن نستخلص تاريخ مولده بحيث يكون ذلك حوالى سنة ١٥٥ هـ. وذو النون الَّذي يرجع أصله إلى بلاد النوبة، ويقع مولده في بلاد النوبة أو في إخميم، لم يقض حياته كلها في هذه أو في تلك؛ وإنما ارتحل من إخميم إلى مصر وقضى شطرا كبيرًا من حياته متنقلًا بين البلدان، سائحًا في الجبال والوديان: فهو قد رحل عن إخميم إلى مصر، وله في ذلك الرحيل قصة تروى على أن ما وقع له فيها كان سببًا حمله على هذا الرحيل، ولكنها تظهرنا إلى جانب ذلك على ناحية من نواحى الحياة الروحية لذى النون الصوفى، وما

ينبغي أن تقوم عليه هذه الحياة الروحية من شكر على السراء وصبر على البأساء: وذلك أن ذا النون سمع


(١) القشيرى: الرسالة، القاهرة ١٣٤٦، ص ٨؛ المناوى: الكواكب الدرية، ج ١، ص ٢٣٠.
الشعرانى: الطبقات الكبرى، ج ١، ص ٧٧.
(٢) ابن خلكان: وفيات الأعيان، القاهرة ١٣٦٧ هـ- ١٩٤٨ م، ج ١، ص ٢٨٣.
(٣) السيوطي: حسن المحاضرة، ج ١، ص ٢١٨.