نسبه إليهم هنا سببا من الأسباب التي أحنقت هذا الفريق من العلماء عليه فجعلوا يشنعون عليه ويسعون به لدى الخليفة من ناحية، ولدى الرأى العام في مصر من ناحية أخرى، فإذا هو يمتحن ويؤذى، ويتهم في عقيدته.
وكما كان العصر الَّذي عاش فيه ذو النون حافلًا بأرباب العلم من الفقهاء والمحدثين الذين أخذ عنهم، فقد كان كذلك عصرًا مزدهرًا من الناحية الروحية مشرقا بكثير من الشخصيات الصوفية التي طبعت روح العصر بطابعها، والتى كان من بين أصحابها
أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامى المتوفى سنة ٢٦١ هـ. وأبو محمد سهل بن عبد الله التسترى المتوفى سنة ٢٧٣ هـ أو ٢٨٣ هـ وقد لقى ذا النون بمكة سنة خروجه إلى الحج، وأبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز المتوفى سنة ٢٧٧ هـ وقد صحب ذا النون، وإسحق بن إبراهيم السرخسى، وقد قص عن ذى النون قصة روى فيها أنَّه سمع ذا النون وفى يده الغل وفى رجليه القيد، وهو يساق إلى المطبق، والناس يبكون من حوله، وهو يقول: هذا من مواهب الله تعالى، ومن عطاياه، وكل فعاله عذب حسن طيب، ثم أنشد من الخفيف:
لك من قلبى المكان المصون ... كل لوم عليَّ فيك يهون
لك عزم بأن أكون قتيلا ... فيك والصبر عنك ما لا يكون (١)
وأبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي المتوفى سنة ٣٠٤ هـ، وقد صحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشبى، ورافق أبا سعيد الخراز: فكل أولئك وكثير غيرهم كانوا من كبار الصوفية الذين عاصروا ذا النون، واتصلوا به ألوانًا مختلفة من الاتصال،
وكان لهم في حياته وفى مذهبه آثار لها قيمتها العلمية والعملية، كما كان له في أنفسهم منزلة كبرى ومكانة عظمى من الناحية الروحية، وليس أدل على هذه المكانة وتلك المنزلة مما يروى عن سهل بن عبد الله التسترى من أنَّه أقام سنين لا يسند ظهره للمحراب ولا