للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يمكن أن يقال عنه أنَّه من آثار ذى النون المكتوبة هو طائفة من الأقوال المأثورة والحكم والمواعظ المنظومة والمنثورة وما جرى على لسانه من أمثال، وما جرى بينه وبين غيره من حوار حول التعاليم الصوفية وما إليها من معرفة ذوقية ومحبة إلهية: فقد وقف المحاسبى وعلي بن الموفق ويوسف بن الحسين الرازي بصفة خاصة على طائفة مما تركه ذو النون من تلك الآثار، وكلهم كان معاصرًا له، كما أن يوسف بن الحسين الرازي المتوفى سنة ٣٠١ هـ كان تلميذا لذى النون، اتصل به، واستمع إليه، وأخذ عنه.

على أن كتب التراجم والطبقات التي عرضت لحياة ذى النون، قد حفلت بكثير من أقواله وأدعيته التي تصور لنا كثيرا من آرائه في مختلف المسائل الصوفية: فالرسالة للقشيرى، والطبقات للشعرانى، والكواكب الدرية للمناوى، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهانى، وغيرها من كتب التصوف الأخرى التي تجمع بين التراجم من ناحية وبين مسائل التصوف وموضوعاته ومصطلحاته من ناحية أخرى، كـ "التعرف لمذهب أهل التصوف" للكلاباذى، و"اللمع" للسرّاج الطوسى، و"كشف المحجوب" للهجويرى، كل أولئك قد عرض لذى النون وعرض علينا بعضًا من أقواله التي تختلف من حيث الكم والتنوع بأختلاف المؤلفين.

ولعل أبا نعيم الإصبهانى فيما أورد في حلية الأولياء من آثار ذى النون، كان أغزر هؤلاء المؤلفين جميعًا مادة، وأوفرهم تنويعًا، وأكثرهم إيرادًا لأسماء الأشخاص الذين يتألف منهم السند الَّذي يرد في نهايته هذا القول أو ذاك إلى ذى النون. وليس من شك في أن ما أثبته أبو نعيم في هذا الباب يعد ثروة علمية لها خطرها من الناحيتين التاريخية والمذهبية لحياة ذى النون الصوفى المصري، ولما يتألف منه مذهبه من عناصر روحية لها قيمتها التصوفية والفلسفية: فالنفس الإنسانية وتحليل خطراتها وشهواتها وأخلاقها، ووصف أحوالها ومقاماتها، وتصنيف هذه الأحوال والمقامات وترتيبها، وبيان ما يستلزمه كل منها، وتحليل الأخلاق