والكشف عما يتصل بها من بعض الأحوال والمقامات من ناحية، وعن صلتها بالجبر والاختيار من ناحية أخرى، والسماع وعلاقته بالوجد، والحج ومناسكه وتأويل هذه المناسك تأويلا يبين ما تنطوى عليه من المعانى الروحية والفلسفية، والطاعة المغرضة والطاعة المنزهة عن الغرض، والأخوة في الله وعلامتها وعناصرها، وعلم الباطن وحقيقته؛ والمعرفة وسبيل الوصول إليها، ومعرفة الله ووحدانيته وعلاقته بالمخلوقات، وأن أخص خصائص المعرفة اليقينية لله أنها معرفة له به، أو أنها معرفة يلقيها الله في قلب العبد لا معرفة يكتسبها العبد، والجنّة والنار والمحبة وتعريفها وتقسيمها ودرجاتها والمحبة الألهية المتبادلة بين
الرب والعبد، وعلاقة المحبة بالمعرفة، كل أولئك وكثير غيره رؤوس لمسائل عرضت لها وعبرت عنها صراحة أو ضمنا أقوال ذى النون التي أثبتها أبو نعيم الأصبهانى في حلية الأولياء، وكلها يظهرنا من غير شك على أنَّه وإن لم يكن لذى النون كتاب جامع لأشتات آرائه في مختلف المسائل على الوجه الَّذي يجعل منها مذهبا مؤتلف العناصر متسق الأجزاء، فإن أبا نعيم قد كفانا
مؤونة هذا الكتاب بما قدم بين أيدينا من نصوص ذى النون، وأننا بدراستنا لهذه النصوص وتحقيقها والفحص عما تشتمل عليه من المعانى وما تنزع إليه من المنازع وما تقوم عليه من الأسس النفسية والأخلاقية إلى جانب دعائمها الدينية، يتهيأ لنا أن نقف منه على مبلغ ما تركه ذو النون في الحياة الروحية الإسلامية من آثار باقية، وما كان له في هذه الحياة الروحية من مذهب، وما
كان يتسم به هذا المذهب من سمات تيوزوفية ظهرت على يدى هذا الصوفى المصري لأول مرة في تاريخ الحياة الروحية الإسلامية، ثم أخذت تدق وتتضح على أيدى من جاء بعده من الصوفية الذين أخذوا عنه وتأثروا به وزادوا عليه، فكان من تراثهم جميعا ما يعرف باسم التصوف التيوزوفى.
ولكى يتبين لنا هذا كله، ويتبين معه أهم العناصر التي يمكن أن يتألف منها لذى النون مذهب، وأبرز الخصائص التيوزوفية التي يمكن أن يمتاز بها هذا