للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصوفى من أن من يتبع الحق في هذا السماع يحصل له الكشف، على حين أن من يتبع نفسه الأمارة يقع له الحجاب ويعمد إلى التأويل (١).

ولما كانت العبادات عنصرًا هاما من العناصر التي يتألف منها سلوك العبد في طريقه إلى الله وكان الحج فريضة من فرائض الإسلام التي ينبغي أن يأخذ بها الانسان نفسه، وكان لهذه الفريضة ولغيرها من الفرائض الأخرى أثرها في رياضة النفس ومجاهدة

الحس وتصفية القلب، فقد تأول ذو النون مناسك الحج تأويلا يكشف عن معانيها الخفية وآثارها الروحية في حياة الذين يؤدون هذه المناسك سواء في علاقتهم بربهم أو بأنفسهم أو بأشباههم: فذو النون يتأول ويعلل الوقوف بالجبل لا بالكعبة بأن ذلك إنما كان لأن الكعبة بيت الله والجبل باب الله، وإن الله ليوقف القاصدين إليه والوافدين عليها بالباب يتضرعون.

ويتأول ويعلل الوقوف بالمشعر الحرام وكيف صار بالحرم، وذلك بأن الله لما أذن للوافدين عليه بالدخول إليه أوقفهم بالحجاب الثانى وهو المزدلفة، ولما طال تضرعهم أمرهم بتقديم قربانهم، وكان هذا القربان تطهيرا لهم من ذنوبهم التي كانت لهم حجابا من دون الله، وأذن الله لهم بالزيارة على طهارة. وأما أن الصوم مكروه أيام التشريق فذلك ما يؤوله ويعلله ذو النون بأنه راجع إلى

أن القوم إنما زاروا الله، وأنهم في ضيافته، ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من أضافه. ويتأول ذو النون التعلق بأستار الكعبة فيكشف عن المعنى الَّذي ينطوى عليه هذا التعلق فيرى أن مثل الرجل وقد تعلق بأستار الكعبة كمثل الرجل وقد كانت بينه وبين

أخيه جناية فتعلق بثوبه واستجدى له، وتضرع إليه ليهب له جرمه وجنايته (٢): فكل أولئك تأويلات وتعليلات يقدمها ذو النون بين يدى مناسك الحج فيظهرنا من خلالها على تلك المعانى النفسية والأخلاقية السامية التي ينطوى عليها الحج، وعلى ما ينبغي أن يقر في نفوس المؤدين لمناسكه من تلك


(١) كشف المحجوب ص ٤٠٤.
(٢) حلية الأولياء، ج ٩، ص ٢٧٠.