" .. كل من لم يعرف الله في الدنيا فلا يراه في الآخرة، وكل من لم يجد لذة المعرفة في الدنيا فلا يجد لذة النظر في الآخرة، إذ ليس يستأنف لأحد في الآخرة ما لم يصحبه في الدنيا، ولا يحصد أحد إلا ما زرع"(الإحياء: ج ٤، ص ٢٦٩). ويظهرنا على انقطاعها عن الدنيا قولها لمن سألها:"من أين أتيت؟ - من العالم الآخر - إلى أين تذهبين؟ - إلى العالم الآخر- وماذا تفعلين في هذه الدنيا؟ - أعبث بها وكيف تعبثين بها؟ - آكل خبزها وأعمل عمل الآخرة". وقال أحدهم ساخرًا:"إنك بارعة في الكلام، أفلا تصلحين لحراسة رباط؟ " فقالت: "إنى حارسة رباط فعلا، لأنى لا أدع شيئًا يخرج مما في داخلى، ولا أدع شيئًا يدخل مما هو خارج. وأنا لا أحفل بمن يدخل أو يخرج فأنا مشغولة بقلبى لا بمجرد الطين". ولما سئلت:"كيف بلغت هذا المقام من الولاية؟ أجابت رابعة: بقولى اللهم إنى أعوذ بك من كل ما يشغلنى عنك ومن كل حائل يحول بينى وبينك".
واشتهرت بأقوالها في المحبة والأنس بالله، وهو شغل محبه الشاغل.
وكل محب صادق يبحث عن القرب من محبوبه. ومما أنشدت في ذلك هذين البيتين:
إنى جعلتك في الفؤاد محدثى ... وأبحت جسمى من أراد جلوسى
فالجسم منى للجليس مؤانس ... وحبيب قلبى في الفؤاد أنيسى
(الإحياء: ج ٣، ص ٣٥٨، الهامش)
وأظهرت الحاجة إلى هذا الحب الشاغل والعبادة العاكفة بوضعها النار في يد والماء في اليد الأخرى. ثم أنشأت تقول:
"سأشعل النار في الجنّة وأسكب الماء على النار، حتَّى ينجاب الغشاءان عن طريق السالكين إلى الله، ويتبين مقصودهم، ويشاهدون الله لا يحدوهم أمل ولا يفزعهم خوف، أفئن لم يكن جنة ولا نار لم يعبد الله أحد ولم يطعه أحد؟ "(الأفلاكى: مناقب العارفين، مكتبة وزارة الهند، رقم ١٧٦٠، ورقة ١١٤ أ) سئلت "كيف حبك للرسول؟ " قالت "إنى والله أحبه حبًا شديدًا، ولكن حب الخالق شغلنى عن حب المخلوقين".