ومع ذلك فالواقع أن هذه الأنواع القصار- مع استثناء المقطع- كانت أكثر شيوعاً فى الأزمان الأولى، ومن الواضح أنها كانت أيضاً أقدم من البيت الطويل الكامل ذى التفاعيل الست.
فمثلا الأبيات المنسوبة الى عنترة فى الفخر (الكنز الثمين، ص ١٨٠، رقم ١٢ = ابن قتيبة: كتاب الشعر، طبعة دى غوى، ص ١٣١ فى أعلاها، وهى على تفعيلتين)، والأبيات التى قيل إنها أول ما صنع طرفة (المصدر السابق، ص ١٨٥، رقم ١١، وهى على ثلاث تفاعيل؛ انظر ابن قتيبة: المصدر المذكور آنفاً، ص ٩٠؛ والكلام عن نسبتها وارد فى الحماسة، جـ ١، ص ٣٤٣)، بل ومقطوعتا الهجاء اللتان جاءتا على لسانى بنتى فند تهيجان بهما بكرا على تغلب (شَرح التبريزى على أبى تمام، طبعة Freytag ص ٢٥٤؛ Noldeke: Delectus ص ٤٧، س ١ - ٣؛ وانظر أيضاً ابن هشام طبعة فستنفلد، جـ ١، ص ٦٥٢ حيث نسبت الأبيات إلى هند بنت عتبة)، هذه كلها أقرب بلا شك إلى الحوشية من الأبيات ذات المصراعين
والتفاعيل الست. ونجد طابع القدم واضحاً فى المقطوعة الأولى من أبيات الهجاء هذه، لأن الأبيات الثلاثة الأولى منها على تفعيلتين، على حين أن المقطوعة الثانية على ثلاث تفعيلات، وهو أمر لا يمكن أن يصدر عن شعراء العصر الذى يليه ويستطيع المرء أن يزعم، مخالفاً فى ذلك عروضى العرب، أن الأبيات ذات المصراعين والتفاعيل الست قد نشأت عن الأبيات القصار، أى ذات المصراع الواحد، وليس الأمر بالعكس. أما إذا أخذنا بمذهب العرب فإننا نجد لزاما علينا أولا وقبل كل شئ أن نفسر: لم لم يجعلوا المصراعين الأول والثالث من الثلاثية مستقلين بعضهما عن بعض فى الأعاريض الأخرى أيضا. وإذا صح أن شيئا من هذا وقع شذوذاً فى دواوين الشعراء الستة الجاهلين (ص ١٣٣, رقم ٢٨، فى القصيدة المعروفة بقصيدة القطاة لامرئ القيس والتى من بحر الكامل، أو القصيدة التى على بحر الهزج الواردة فى هذه الدواوين أيضاً، ص ٢٠٦، رقم ٣١، والواردة فى الأمالى، طبعة القاهرة ١٣٤٤ هـ = ١٩٢٦، جـ ١، ص ٤٢ فى