والذى حدث آنئذ أن المزدوجات من الرجز ذى المصراع الواحد قد اقتفت أثر البحور الأخرى وسايرتها، فتولد منها جميعا الأساس العروضى للملحمة فى نطاقها الواسع، أو قل إنها أعانت العرب فى جهودهم الصادقة التى بذلوها فى هذا السبيل. وإذا كانت هذه الجهود لم تلق نجاحا كبيرا، فإن ذلك لم يكن على التحقيق خطأ هذا البحر. ونحن نذكر فى هذا الباب القصيدة (فى ٤١٩ بيتا من المزدوج) التى قالها ابن المعتز المتوفى عام ٢٩٦ هـ (٩٠٨ م) فى الخليفة المعتضد (- zeitschrift, der Deuts chen Morgenl, Gesellschaft, العدد ٤٠، ص ٥٦٤ وما بعدها؛ العدد ٤١، ص ٢٣٢ وما بعدها) والقصيدة (فى ٤٤٦ بيتا من المزدوج) التى أشاد فيها ابن عبد ربه المتوفى عام ٣٢٨ هـ (٩٤٠ م) بغزوات عبد الرحمن الناصر الأندلسيّ الأموى (العقد، فى آخر كتاب "العسجدة الثانية"). وهاتان الأرجوزتان تتفاوتان فى أسلوبهما بين الأخبار المنظومة والمديح، والأرجوزة الثانية ضعيفة الصلة بالشعر فى معناه الرفيع.
وهذا يصدق بصفة خاصة على المقطوعات التعليمية التى يخطئها الحصر والتى اصطنع لها الرجز، بل إنا لنلاحظ كثيراً فى شعر الرجز المتقدم كلفاً بالإيجاز، كما أن مزدوجات أبى نواس وأبى العتاهية المشار إليها آنفاً من ذوات التفعيلتين أو الثلاث هى فى
واقع الأمر مجمع للأمثال. وازداد الأمر سوءاً عند ما تشبث المعلمون بالرجز مساعدة للطالبين على حفظ شتى الموضوعات. ومع أن الناس لم يهملوا البحور الأخرى كل الإهمال، فإنهم كانوا يستعملون الرجز، وبخاصة المزدوجات ذات المصراع الواحد، كلما أرادوا نظم آية موضوع من موضوعات العلم. وخير شاهد على ذلك ألفية ابن مالك فى النحو العربي، ومقدمة الجزرى فى التجويد (انظر هذه المادة؛ Gesch. der. Arab. Litt.: Brockelmann، جـ ٢، ص ٢٠٢ فى منتصفها) وتحفة الحكام لابن عاصم فى فقة المالكية.
ونجد شواهد أخرى فى كتاب بروكلمان المذكور (جـ ٢، ص ٩٦، رقم ٢٩/ ١: الكلام والفقه، والتصوف؛ الكتاب نفسه: ص ١٤١، س ٢ - ٤ "التوريث"،