ثم تلاه ابنه رؤبة الذى أدرك بداية العصر العباسى (توفى عام ١٤٥ هـ = ٧٦٢ م). وقد أنشأ هذان الشاعران وغيرهما طائفة كبيرة من شعر الرجز يمكن أن توازن حقا بالقصائد الطوال التى على البحور الأخرى (انظر مدح رؤبة للسفاح الخليفة العباسى الأول
الذى يبلغ مالا يقل عن أربعمائة مصراع). وهى من حيث الشكل إنما تمتاز عن القصائد الأخرى بوزنها (ومن ثم عرفت القصيدة من الرجز بالأرجوزة) وبالإكثار من مهجور اللفظ (والراجح أن ذلك يرجع إلى تعدد لهجات القبائل) وبتقفية جميع المصاريع. أما الغرض الشعرى فهو بعينه الذى يطرقه الشعراء فى القصائد التى على الأوزان الأخرى.
على أن الشهرة الواسعة التى كسبها العجاج ورؤبة وغيرهما من الرجازين لهذا البحر الذى كان أثيراً لديهم لم تدم طويلا. فنحن نجد فى أوائل العصر العباسى اتجاها ملحوظا نحو التخصص فى استعمال هذا البحر، فبينما نراه فى الجاهلية وصدر الإسلام
البحر المستعمل فى الحماسة، فإنا نراه يستعمل بعد ذلك فى القصص، والوصف، والتعليم خاصة. فالشاعر ردينى بن عبس الفقعسى يصف فى المقطوعة رقم ١٤٣٤ من حماسة البحترى حادثا له مع تاجر من التجار، كما أن مخمسة أبى نواس التى أشرنا إليها آنفا فيها شئ من صفات الأغانى الفكهة. والشاعر يروى لنا فيها كيف أغراه وسيط على الزواج فوقع فى مأزق حرج. ويستعمل أبو نواس أيضا الرجز ذا المصراع والقافية الواحدة سواء أكان موقوفا أو سالما فى طردياته خاصة، وبعضها قصص والبعض وصفى. ولم يقف استعمال الرجز عند هذه الأغراض الشعرية بل تعداها إلى شعر المناسبات بجميع أنواعه. ومعظم
مقطوعات الرجز التى صنعها الوأواء من هذا القبيل (انظر الشواهد على ذلك فى الكتاب السابق ذكره، ص ١٣٠ وما بعدها).