والمحافظة فبينما هو ينادى دائمًا بزيادة تنوير أفهام المجتمع العثمانى، ويستنكر بشدة أى مظهر من مظاهر الجهل والتعصب وحب الذات بين الطبقة الحاكمة، إذ بنظرته تتأثر فى جوهرها بالتعليم الذى تلقاه فى "المدرسة" ومن ثم نجده فيما كتب أيام صدر حياته ينتقد ما فى معاصريه من وجوه النقص بنغمة مأمولة، على حين يكشف فى خريف حياته عن خيبة أمله فى التنظيمات بلغة مرة فى كثير من الأحيان. وربما بدا لنا أن السبب فى هذا التبدل فى نظرته يرجع فى بعضه على الأقل إلى صدامة مع مدحت الذى كان يجابهه خاصة بالسخرية من عجزه فى اللغة الفرنسية ومن ثم قصوره فى معرفة الفكر الأوربى. ولذلك يظهر أنه كان تحت رحمة الظروف على تفاوت فى شدتها، بل كان فوق ذلك كله واقعًا تحت سيطرة الدور الخسيس الذى لعبه فى محاكمة مدحت، باتخاذه موقفًا رجعيًا يتسق تمام الاتساق مع الروح التى كانت تسود نظام الحكم الحميدى، وكتب التاريخ هى أهم الكتب العديدة، التى ألفها جودت وثمة ثلاثة من تواريخه تستحق الذكر خاصة بصرف النظر عن كتابه "قصص أنبيا وتواريخ خلفا" وهو مصنف تعليمى فى ١٢ مجلدًا (يبدأ بآدم وينتهى بالسلطان مراد الثانى) وقد صنفه فى آخر حياته؛ و"قريم وقوقاز تأريخجه سى" (يعتمد فيه جل الاعتماد على "كلبون وخانان " لحليم كراى" وهذه التواريخ هى: (١) تاريخه المعروف عامة باسم "تاريخ جودت" وهو أيضًا فى ١٢ مجلدًا تشمل الفترة من سنة ١٧٧٤ م إلى سنة ١٨٢٦ م (أى من معاهدة كوجوك قينارجه إلى إلغاء الإنكشارية)، وقد مضت ثلاثون سنة بين بدئه فيه وانتهائه منه، تغيرت فى أثنائه نظرته بالتغيرات المعاصرة الكبرى التى طرأت على الحياة العثمانية ويتمثل هذا بخاصة في اصطناعه ابتداء من المجلد السادس أسلوبًا أبسط وأقل تمسكًا بالتقاليد وقد التزم جودت بخطة الكتاب الأصلية فى معظم الطبعات المختلفة