والقول بالرجوع، بمعنى من معانيه مقابل لمعنى الانبجاس أو الفيض فكل شئ يأتى من الله وإليه يرجع على أن التفكير الفلسفى والتفكير الأسطورى الرمزى (المتعلق بالنفس) يمتزجان هنا أكثر من امتزاجها فى مذهب الفيض.
وأساس ذلك هو اتفاق الأولين والآخرين على القول بأن النفس الناطقة جوهر عقلى محض، وعلى القول بأنها باقية لا تفسد ولا تفنى، وهذا القول لا يستند إلى البرهان الفلسفى فحسب بل يؤيده أيضاً ما هو معروف منذ القدم من الترحم على الماضين من الأسلاف والاستغفار لهم، ومن الاستغاثة بأرواح الموتى عند الهياكل المبنية لهم والمسماة بأسمائهم (انظر كتاب أثولوجيا، طبعة
ديتريصى ص ٧ وما بعدها). وهنا نجد مزجاً وتوفيقاً بين المأثور من الآراء الأورفية الفيثاغورية، وآراء سقراط وأفلاطون وأرسطو.
فلنبتدئ بفكرة إجمالية نأخذها من كتاب أثولوجيا. (ص ٤ - ٨، وفى مواضع مختلفة) النفوس الإنسانية، أعنى النفوس الناطقة، لا تشعر وهى فى البدن الأرضى بأنها فى وطنها.
وهى بالنظر إلى سجنها فى أدناس المادة تشتاق إلى الرجوع إلى أصلها الطاهر، وذلك لأنها كانت من قبل جزءاً من النفس الكلية الشريفة التى أوجدها الله بتوسط العقل، وهى لما كان محلها فى النفس الكلية كانت فى مركز الكل.
وللنفس الكلية وجهان: فهى من حيث أنها متجهة إلى أعلى تشاهد العقل وتشاهد الله بتوسط العقل. وهى من جهة أخرى متجهة إلى العالم الحسِّى الذى صدر عنها والذى تدبِّره (قارن كتاب أثولوجيا ص ٢٠). ولما كانت النفس الكلية هى علة العالم الحسى فإنها تعرف معلولها، ولكنها من حيث هى جوهر عقلى تبقى دائماً ثابتة فى عالم العقل، ومع هذا فربما اشتاقت أجزاء من النفس الكلية إلى الأشياء الأرضية شوقا شديداً فعرفتها ومالت إلى الاتحاد بها. وهذا هو السبب فى هبوط النفوس الجزئية (نزول، تنازل، تنزل إلخ = باليونانية).