الفعال تتلقى حقائق الوحى من طريق المخيلة، على حين أن نفس الفيلسوف تتلقى الحكمة التى تشرق فيها من طريق العقل. ولكن الحقيقة فى الحالين واحدة، حتى لنجد الفلاسفة إلى أيام ابن رشد وابن سبعين (فى القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى) يقولون بهذا الرأى نفسه ويوافقهم عليه كثير من الصوفية (انظر رسائل الفارابى طبعة ديتريصى ص ٦٩ وما بعدها، كتاب "المدينة الفاضلة"، ص ٤٦ وما بعدها) وعند ابن سينا فى رسالته فى "أقسام العلوم العقلية"(وهى ضمن تسع رسائل له، طبعة إستانبول ص ٧٦ وما بعدها) أن ما بعد الطبيعة (وابن سينا يسميه العلم الإلهى متابعة لأرسطو) يشمل بين أقسامه الأصلية ما يتعلق بمذهب الفيض، ولكنه من جهة أخرى يتناول علم المعاد والعلم المتعلق بالوحى والنبوة باعتبارهما من
فروع العلم الإلهى، ومعنى هذا أن نظرية الفيض أعلى مكانا من نظرية الرجوع.
ويعود ابن سينا هنا إلى تأييد الفارابى، وهو يأخذ بنظرية روحانية النفس وبقائها على نحو أوضح وأدق مما عند الفارابى، فالنفس ليست مجرد سورة للبدن، كما قال أرسطو، ورأيه فى هذا متناقض بطبيعة الحال، بل هى جوهر عقلى، وهى لذلك جوهر غير
فاسد. ويؤكد ابن سينا، خلافا لأفلاطون وفيثاغورس، أن النفس ليس لها وجود سابق فى النفس الكلية، وأنها لا تتناسخ منتقلة من بدن إلى آخر.
والعقل الفعال يعطى (على افتراض أن خزائنه لا تنفد) كل بدن نفسا تلائمه إذا كان متهيئا لقبولها تهيؤا كافيا، ويمكن القول بوجه من الوجوه إن النفس حادثة لكنها لن تفنى وقد كان الفارابى كما لاحظ ابن طفيل (رسالة حى بن يقظان، طبعة Gauthier ص ١١) مضطربا فيما يتعلق برأيه فى بقاء النفوس، الكاملة منها والشريرة، أما ابن سينا فلم يكن متحيراً، ولكنهما جميعا يؤولون الثواب والعقاب فى الحياة الأخرى تأويلا روحانيا، وهذا ما كان