تاما وتعود إلى عالم العقول الشريف وإلى العالم الإلهى (قارن Ti de Boer: ,Wijsbegeerte in den Islam هارلم ١٩٢١ م، ص ١٧ وما بعدها، وخاصة ص ٩٨ وما بعدها).
ولقد ازدادت نظرية المعاد تعقيداً بعد تلك النظرية التى قال بها الفارابى وزادها ابن سينا تفصيلا وإيضاحا، وأعنى نظرية عقول الأفلاك العشرة، فبحسب هذه النظرية لا تهبط النفوس الجزئية الناطقة من النفس الكلية بوصفها أجزاء العالم الحسى معلومات
للعقل الأخير فى مراتب الفيض، وهو العقل الفعال. والنفس المطهرة تشتاق الى هذا العقل، وأول رجوعها يكون إليه، ثم يزداد شوقها لكى تبلغ فى القرب من الله أدنى مرتبة، ولكى تتشبه به بقدر الطاقة الإنسانية. ويتميز الفلاسفة عن الصوفية المتفكرين بأنهم من الفارابى إلى ابن رشد أول سؤال يضعونه هو: كيف يمكن اتصال نفوسنا بأصلها (العقل الفعال). أما الصوفية فأنهم مهما اختلفوا عن الفلاسفة فى وصف أحوالهم ومقاماتهم، لا يبغون سوى الاتحاد بالله نفسه.
وعند الفارابى يكون رجوع النفس من طريق المعرفة الصحيحة والأعمال الصالحة، غير أن المعرفة أعلى قدرا من الأعمال، لأن الأعمال تبقى فى الدنيا، أما المعرفة فتدخل فى العقل (قارن مادة عمل)
ويربط الفارابى، على نحو منقطع النظير بين القول بالأحوال التى تصل فيها النفس الى الفناء وبين مذهبه فى النبوة، خصوصاً فى كتابه "المدينة الفاضلة"، وهو على غرار كتاب الجمهورية لأفلاطون، ولكن بعد فهم مذهب أفلاطون فهما رواقى الصبغة.
والبحث فى هذا الباب يدور عند الفارابى حول مسألة الاتفاق بين الدين والفلسفة. وأساس الاتفاق بينهما هو أن مصدرهما واحد: أما الفرق فهو يرجع إلى أن نفوس الأنبياء ونفوس الفلاسفة تختلف فى موقفها، فنفس النبى فى صعودها إلى حال الفناء فى العقل