آخر القيام بهذا الأمر فيما بعد) وأصبح هذا الرقيق عماد جيوشه، واستطاع أن يزيد فى عددهم حتى بلغوا مائة ألف رجل. وتمكن ابن طولون -بفضل نظام الجاسوسية الذى وضعه- من فضح الدسائس التى كانت تحاك حوله بمصر أو فى بلاط الخليفة قبل أن يستفحل أمرها، وكان لا يتردد فى اصطناع الرشوة أو العنف فى سبيل القضاء عليها. وأصبح نفوذ أحمد بن طولون حوالى نهاية عام ٢٥٨ هـ (٨٧١ - ٨٧٢ م) شيئًا يخشى بأسه فى سامراء، بعد أن ضمت إليه الإسكندرية وبرقة والأقاليم الواقعة على تخوم الديار المصرية.
واستعادت الحكومة المركزية سلطانها من جديد فى نفس ذلك الوقت تقريبًا عندما أناب الخليفة المعتمد أخاه الموفق للإشراف على أمور الدولة. وفى الحق أن الموفق لم يشرف إلا على النصف الشرقى من الدولة، بينما ترك النصف الغربى -ومنه مصر- فى يد المفوض ولد الخليفة، ولكن لما تحرج موقف الموفق فى ثورة الزنج رغب فى أن يستحوذ على خراج مصر، فأنكر عليه ذلك أحمد بن طولون، وفشلت المحاولة التى بذلت لإرغامة على ذلك، للعجز الكبير فى أموال الحكومة
المركزية، ولما توفى والى الشام عام ٢٦٤ هـ (٨٧٧ - ٨٧٨ م) احتل أحمد بلاد الشام دون أن يجسر أهلها على معارضته، ففتحت الرملة ودمشق وحمص وحماة وحلب أبوابها أمامه، ولم يدخل عنوة إلا أنطاكية، وقد عكرت عليه نشوة هذا الانتصار فتنة ابنه العباس الذى أنابه عنه فى مصر، فعاد أحمد مسرعا إلى وادى النيل وقبض ثانية على ناصية الأمور فيه، وهكذا أصبح واليًا على الشام ومصر، وقد أشارت إلى ذلك العملة التى سكت منذ عام ٢٦٦ هـ (٨٧٩ - ٨٨٠ م).
وبلغت الخصومة المتأصلة بين أحمد ابن طولون والموفق أقصى حدودها عندما انحاز لؤلؤ قائد الجيوش الطولونية ببلاد الشام إلى الموفق، ولكى يفسد أحمد عليهما هذا الأمر ألح على الخليفة المعتمد -الذى كان كالسجين فى يد أخيه الموفق- أن يلتجئ إلى مصر، وبادر هو نفسه إلى الشخوص إلى بلاد الشام، ولكن الموفق حال دون