التقائهما فى آخر لحظة، فأخذ أحمد يدافع عن الخليفة السجين، ونادى بسقوط الموفق فى دمشق بعد أن حصل على فتوى أجمع عليها الفقهاء من أنصاره، ومع ذلك لم يفكر فى امتشاق الحسام لفك عقال الخليفة، بل رأى أن يغتنم هذه الفرصة للتخلص من البقية الباقية من سلطان الحكومة المركزية عليه. أما الموفق فقد نصب واليًا جديدًا على مصر والشام، ولكنه ظل واليًا بالاسم فقط، ولم يجسر الموفق كذلك على الاحتكام إلى السيف، واكتفى الاثنان بتبادل السباب من فوق منبريهما كل فى وطنه. وبعد ذلك بقليل مهد الموفق للصلح على أن تظل الحال رسميا على ما هى عليه، وما كادت تبدأ المفاوضات حتى مرض أحمد فى غزوة له بشمال الشام، وتوفى فجأة فى ذى القعدة عام ٢٧ هـ (مايو ٨٨٤ م).
ويرجع توفيق أحمد فى حياته إلى مقدرته وحظه، وإلى الصلات الودية التى أنشأها مع جيرانه. وأراد أحمد أن يحتفظ بسلطانه فعمد منذ بداية أمره إلى تدعيم حكومته بجيش قوى، كان الترك والزنج قوامه؛ ولم يكن من المستطاع الاحتفاظ بهذا الجيش إلا بعد زيادة الموارد المالية، لذلك عنى عناية خاصة بتدبير الإدارة ومالية البلاد، وأوقف أحمد تدفق الأموال إلى بغداد فاستطاع أن يطلق يده فى إنفاق هذه الأموال على مرافق البلاد وبخاصة على العمائر، كما تمكن بطبيعة الحال من أن يظهر بلاطه فى مظهر فخم رائع، وأصبحت الفسطاط مدينة كبيرة فخمة، ونشأ إلى جانبها حى جديد هو القطائع، وأسس جامع ابن طولون وغيره من المنشآت العامة، وعلى هذا الوجه مهد أحمد سبيل النجاح الذى سلكته الأسرة الطولونية رغم مناوأة الحكومة المركزية لها. وتدل جميع مظاهر هذه الأسرة على أنها كانت تنزع فى كل الأمور إلى محاكاة الأنظمة التى أدخلها الفرس فى بغداد وسامراء. وكانت هذه الأسرة فاتحة عهد جديد فى حياة مصر الثقافية.