الخليفة وجعفر على السكة الذهبية (ويجب أن نلاحظ أن ابن طولون دأب على الاعتراف بالخليفة المعتمد نفسه، وربما كان ذلك لسبب واحد هو أنه كان لا حول له ولا قوة). وفى سنة ٢٦٩ هـ (٨٨٢ م) دعا أحمد الخليفة إلى أن يلجأ إلى مصر ضيفًا عليه فيها، وأراد بذلك أن يركز السلطة الشرعية كلها فى مصر وأن ينال شرف المنقذ للخليفة الذى أصبح وقتئذ خليفة بالاسم دون الفعل. على أن محاولة المعتمد أحبطت، وأقام الموفق إسحق بن كنداج واليًا على مصر والشام. ورد أحمد بن طولون على ذلك بأن أعلن فى مجلس من الفقهاء عقد فى دمشق إسقاط حق الموفق فى أن يلى الخلافة. ولم يكن من الموفق إلا أن أجبر الخليفة بلعن أحمد فى المساجد، وفعل أحمد المثل فى حق الموفق بمساجد مصر والشام. صحيح
أن الموفق انتصر آخر الأمر فى إخماد فتنة الزنج، إلا أنه سعى إلى إقرار الحالة الراهنة آملًا أن ينال من أحمد بالرفق والسياسة ما لم ينله بالحرب.
ورد أحمد ردًا مرضيًا على الخطوات الأولى التى بذلها الموفق للتقرب، ولكن المنية أدركته فى ذى القعدة سنة ٢٧٠ هـ (مارس سنة ٨٨٤ م).
ونجاح أحمد لا يرجع إلى مواهبه، ومهارته، وقوة جيوشه من مماليك الترك والسودان فحسب، بل يرجع أيضًا إلى فتنة الزنج التى حالت بين الموفق وبين التفرغ لمجابهة فعال أحمد العدوانية. وقد وجه ابن طولون إصلاحاته الزراعية والإدارية نحو تشجيع الفلاحين على زراعة أراضيهم فى إقبال وحماسة بالرغم من الضرائب الثقيلة التى كانت لا تزال مفروضة على محاصيلهم، ووضع حدًا لابتزازات القائمين على الإدارة المالية سعيًا إلى تحقيق المغانم الشخصية. ويرجع السبب الجوهرى فى رخاء مصر تحت حكم ابن طولون إلى أن الجزء الأكبر من موارد الدولة لم تعد تستنزفه الحكوهة المركزية فى بغداد ومن ثم استخدمت هذه الموارد فى إنعاش التجارة والصناعة وإقامة حى جديد