الأنصبة شخصيًا بكتمان مقدارها عن أخيه الموفق. وفى سنة ٢٥٨ هـ (٨٧٢ م) حل جعفر -ابن الخليفة، الذى لقب من بعد بالمفوض- محل يردوخ فى إقطاع مصر. وكان المعتمد قد بايع لأخيه الموفق بالخلافة بعد ابنه، وقسّم الإمبراطورية بين هذين الوريثين للعرش، فكان من نصيب الموفق الولايات الشرقية إقطاعا له، وخص المفوض الولايات الغربية، وأقيم للمفوض نائب هو موسى بن بغا التركى ليعاونه فى الحكم. والحق إن الموفق كان يباشر السلطة العليا. على أن الخلافة كانت تتهددها من الشرق الهجمات والحركات الرامية إلى الاستقلال، ومن الجنوب فتنة الزنج التى شغلت جيوش الموفق، وكان الموفق فى الوقت نفسه -وهو الرجل الوحيد الذى يستطيع الوقوف فى وجه ابن طولون- مهدد فوق ذلك بالاضطرابات التى طرأت على الحكم وبالمنازعات الداخلية بينه وبين الخليفة من جهة، وبينه وبين قواد الكتائب التركية من جهة أخرى.
كانت هذه هى حال الخلافة فى الوقت الذى اختاره ابن طولون للسعى إلى الاستقلال بعد أن سيطر على الشئون المالية لأملاكه. وقد رأى الموفق -القائد الأعلى للحملات التى شنت على الزنج- أن طول هذه الحملات وتكاليفها الباهظة تعطيه الحق فى طلب معونة مالية من جميع الولايات التابعة للخلافة، وتسلم الموفق من ابن طولون مبلغًا من المال لم يرضه، فأنفذ جيشه بقيادة موسى بن بغا سنة ٢٦٣ هـ (٨٧٧ م) لإقصائه عن حكم مصر، ولكن مطالب الجنود والمخاوف التى أثارتها فى النفوس جيوش ابن طولون أدت إلى التخلى عن هذه المحاولة. وهنالك تشجع ابن طولون على احتلال الشام سنة ٢٦٤ هـ (٨٧٨ م) متذرعًا بالمشاركة فى الجهاد والدفاع عن حدود آسية الصغرى ضد الروم، ولكنه اضطر إلى العودة إلى مصر بعد وقت قصير ليعالج الفتنة التى أثارها ابنه عباس، وكان قد أقامه نائبًا له فى حكم مصر.
وبدأ ابن طولون، بعد الحملة الشآمية يضيف اسمه إلى اسمى