المذاهب الأخرى، تعبر عن أفكاره تعبيرًا دقيقًا. ذلك أن مذهبه هو نفسه، كما نستطيع أن نتبينه من "المسائل"، أكثر أولية من التخريجات المحكمة المتأخرة، ولكنه يتميز بأنه وضع المبادئ الأولى لأصول الفقه فى مذهبه.
القرآن والسنة: يقول مذهب ابن حنبل بأنه يعتمد فوق كل شئ على القرآن مع الأخذ فيه بظاهر اللفظ لا بالتأويل، كما يعتمد على الحديث. ويستفاد من رواية ابن حنبل نفسه (المسند، ج ١، ص ٥٦ - ٥٧) أنه كان يهدف إلى أن يجمع فى مسنده الأحاديث المشهورة فى زمانه. ومن ثم نجد فى مجموعته هذه، على حد مصطلحه هو، أحاديث ثبتت حجيتها على نحو سليم ومن ثم جاز أن تسمى "صحيحة"، وأحاديث ليس لها نصيب من القبول إلا ظن بحجيتها وما من سبب يقينى يدعو إلى رفضها باعتبارها "ضعيفة"، أو قل "أحاديث صحيحة" و "أحاديث حسنة" إذا أخذنا بالتصنيف الذى قرره الترمذى. وإنما حدث فى وقت متأخر عن ذلك كثيرًا، حين بلغ ابن الجوزى بنقد الحديث غاية الصرامة من حيث أصوله، أن وجه اللوم إلى ابن حنبل لقبوله أحاديث موضوعة، وقد نفى عنه هذه التهمة كثير من المحدثين مثل ابن تيمية وابن حجر العسقلانى. والرأى الذى أخذ يسود الآراء فى هذا الشأن هو أنه توجد فى المسند إلى جانب الأحاديث الصحيحة أحاديث حسنة "أو""غريبة"، ومع ذلك فإن هذه الأحاديث الحسنة أو الغريبة ليس فيها مع التشدد ما لا يمكن قبوله.
فتاوى الصحابة والإجماع: وللقرآن والسنة تتمة تتمثل فى مرجع ثالث يستقى منهما ويكملهما وهو فتاوى الصحابة. والأسباب التى تدعم فى نظر أحمد شرعية هذا المرجع الجديد فى العقائد واضحة، هى أن الصحابة كانوا يعلمون ويدركون ويطبقون أحكام القرآن والسنة على نحو أسلم من الأجيال المتأخرة، وجميع هؤلاء الصحابة أهل للاحترام والتوقير. كما أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد نصح المسلمين فى وصيته بأن يسيروا على سنته وعلى سنة الخلفاء الراشدين الذين سيخلفونه