وأن يتجنبوا جميع البدع. وحيثما اختلف الصحابة كان من اليسير التماس الرأى الأصوب بالرجوع إلى القرآن والسنة وإعلاء أحكامهما على كل حكم (المناقب، ص ١٦١).
أما من حيث التفضيل فإن أحمد بن حنبل قد بدأ بأبى بكر ثم عمر ثم أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر لأن كلا منهم أهل للخلافة وكلا منهم إمام، وهؤلاء هم: عثمان، وعلى، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، ثم من شهدوا بدرا، ثم المهاجرون ثم الأنصار (كتاب السنة، ص ٣٨؛ المناقب، ص ١٥٩ - ١٦١). وهذا المذهب السنى الذى يوفق بين الأقوال المتعارضة يعترف بفضل على وشرعية خلافته، ولكنه يرد أيضًا اعتبار خصومه وأولهم معاوية الذى كان شأنه فى التمكين للإسلام يشيد به الحنابلة دائما ولا يوجبون بالضرورة إهمال أحكامه.
وأحكام التابعين تستأهل أيضًا أن تدخل فى الاعتبار من حيث هى شاهد على التفسيرات الممدوحة. والإجماع فى مثل هذه المسائل العقائدية يعبر عن انعقاد الرأى على حقيقة تقوم على القرآن والسنة، ولكنه لا يكون فى ذاته، بالمعنى الصحيح، مصدرًا مستقلاً من مصادر الفقه. فالجماعة قد تقع فى الخطأ كلها إن لم تهتد بنور الوحى الذى أتى به الحديث (انظر ص ٢٣٩ - ٢٤٢).
وظيفة المفتى: أول واجب يفرض على المفتى هو الالتزام فى أمانة بالتراث الروحى الذى رواه الشيوخ، واجتناب آية نزعة للاستحداث أو الابتداع. ومن ثم ينكر ابن حنبل الرأى، أى التطوع بإبداء رأى شخصى (أبو داود: المسائل ص ٢٧٥ - ٢٧٧) ولكنه لم يجعل ذلك قاعدة من قواعد السلوك تقتضى الوقوف أمام النصوص موقفًا جامدًا بإطلاق يستحيل على المرء أن يقفه؛ ولم يرفض أحمد القياس ولكنه لم يقدر كل التقدير قيمته من حيث هو أداة لتكوين مذهب أو الكشف عن قاعدة كما فعل ابن تيمية وابن القيم من بعد متأثرين بمؤثرات عقلية.
وقد أكثر أحمد من الأخذ بالاستصحاب، وهو طريقة فى التدليل