تقوم على استدامة إثبات الحالة الفقهية ما لم تقم ظروف تقتضى تغييرها؛ وكذلك بالذرائع وهى طريقة أخرى فى التدليل، وذلك أن الله إذا كلف العباد أمرًا، فكل ما يتعين وسيلة له مطلوب بطلبه، وإذا نهى الناس عن أمر، فكل ما يؤدى إلى الوقوع فيه حرام أيضًا. وفكرة "المصلحة" التى تبيح تحديد الحالة الفقهية أو التوسع فيها تنطبق أيضًا على مذهب أحمد، وان كان لم يفعل ما فعله ابن تيمية وتلميذه الطوفى من التوسع فى استعمالها وتنظيم هذا الاستعمال.
ولنكرر هنا تشبيها قال به ابن قيم فإنه فيما يبدو يملو خير تمثيل العناية المزدوجة التى أبداها ابن حنبل بالحديث وبالواقع: أن المفتى كالطبيب، فالطبيب يجب عليه أن يجعل علاجه موائمًا لحالة المريض, والمفتى يجب عليه أن يجتهد فى أن يستنبط من مراجع الفقه العلاج الخلقى الذى يجب أن يطبق على حالة بعينها. ومن ثم فإن شيوخ الحنابلة إذ كفوا بإطلاق عن فتح باب الاجتهاد فما ذلك إلا لأنهم رأوا أن استمرار الاجتهاد لا محيص عنه لفهم المبادئ الفقهية وتطبيقها.
الخلافة والعرب: إن آراء ابن حنبل السياسية: التى يرد بها أساسا على الخوارج والشيعة (الروافض) تؤكد أولًا وقبل كل شئ شرعية أن تكون الخلافة فى قريش: "والخلافة فى قريش ما بقى من الناس اثنان، ليس لأحد - من الناس أن ينازعهم فيها، ولا نقر لغيرهم إلى قيام الساعة؛ (كتاب السنة، ص ٣٥). وقد دافع عن العرب حين كانت الشعوبية محتدمة فى أيامه ولكنه لم يقل بتفوقهم: "ونعرف للعرب حقها وفضلها، وسابقتها، ونحبهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. سب العرب نفاق، وبغضهم نفاق" (المصدر السابق، ص ٣٨)، نفاق لأن وراء هذا السب أو البغض كان يكمن غرض أخفى من ذلك، هو القضاء على الإسلام بإحياء الإمبراطوريات القديمة أو إعادة صور حضارية أخرى.
وقد اعتمد ابن حنبل على السنة التى سنها أبو بكر وعمر فى قوله بشرعية أن يعهد للخليفة إلى من يخلفه، على أن