أى عهد من هذا القبيل لا يكون ناجزًا إلا إذا أعقبته مبايعة يقسم فيها الإمام والممثلون المفوضون للرأى العام على الإخلاص المتبادل احترامًا لكلام الله (Essai، ص ٢٨٧) , أما رأى ابن حنبل فى واجبات الإمام فيتبع المخطوط
العامة للشروح الفقهية، وهو يترك للإمام، فى إطار أحكام القرآن والسنة، حرية واسعة فى أن يتخذ للمصلحة جميع ما يراه ضروريا للنهوض المادى والأدبى بالمجتمع. وفى هذا تكمن بذرة للك الفكرة الهامة ألا وهى "السياسة الشرعية" التى أصّلها ابن حنبل وابن تيمية وابن قيم الجوزية.
وأعضاء الجماعة يدينون بالطاعة للإمام، فلا يجوز لهم المعارضة فى حكمته "والجهاد ماض، قائم مع الإمام، بر، أو فاجرًا، ولا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل. والجمعة والحج والعيدان: مع الأئمة، وإن لم يكونوا بررة عدولًا أتقياء. ودفع الصدقات. والأعشار والخراج والفئ، والغنائم: إلى الأمراء، عدلوا فيها أو جاروا"(كتاب السنة، ص ٣٥). فإذا سعى الأمير إلى معصية الله وجب أن يواجه فى هذا الشأن بعدم الطاعة، بلا دعوة إلى إثارة فنتة مسلحة لا يمكن تبريرها ما دام الإمام يقيم الصلاة فى أوقاتها. على أن كل عضو من أعضاء الجماعة عليه واجب آخر هو أن يأمر، فى حدود علمه وقدرته، بالمعروف وينهى عن المنكر. ومن ثم وجب على الفقهاء، بحكم ولا يتهم، أن يحيوا السنة وأن يجعلوا الرأى العام متيقظًا دائمًا، ويفرضوا على الإمام اتباع أحكام الدين دون أن يخرجوا عن حدود الطاعة له.
روح الجماعة: تقوم سياسة أحمد على لم شمل الجماعة ووحدة العقيدة، وهو يعارض فكرة الجماعة فى الفتنة، بل لقد ذهب فى مسألة "التكفير" إلى حد اتخاذ موقف سمح فيه شئ من تساهل المرجئة، ذلك أنه يقول بأنه لا ينبغي أن يخرج عن الإسلام أى مسلم يرتكب الذنب إلا إذا استند فى ذلك على حديث يؤخذ بظاهر لفظه (كتاب السنة، ص ٣٥ - ٣٦)، ولا يذكر فى هذا الخصوص إلا ثلاثة ذنوب تقتضى التكفير وهى: ترك الصلاة، وشرب الخمر، ونشر الآراء المتزندقة التى