يقال إنه يفرض على الناس واجبات اجتماعية إلا العبادات التى أمر بها الله صراحة، ثم العكس، وهو: ما من شئ حرمه الشرع إلا العبادات التى حرمها الله فى القرآن وفى السنة، وهذا هو المبدأ الذى أجمله ابن تيمية قائلًا قولته "توقيف فى العبادات وعفو فى المعاملات" أى الصرامة المسرفة فى تطبيق العبادات والسماحة الواسعة فى جميع مسائل المعاملات (Essai، ص ٤٤٤)، ولذلك يجب أن تترك حرية واسعة للطرفين فى وضع شروط العقد وخاصة فيما يتعلق بالإجراءات بحيث لا يمكن إلغاء آية أحكام فيه إلا إذا كانت مخالفة لصريح القرآن والسنة فى الميسر والربا. وقد رد ابن حنبل فى كتاب السنة (ص ٣٨) على المحاسبى فى قوله بأن السعى الحر إلى الربح الشريف واجب دينى.
على أنه فى العبادات لم يقل إلا بشرعية ما نص عليه القرآن والسنة وعلى الوجه الذى جاء به هذا النص. ولا يرجع تشدد المذهب الحنبلى إلى روح التعبد والعناية بالتفاصيل التى يسعى هذا المذهب إلى مراعاتها فى أداء الفرائض الدينية، بقدر ما يرجع إلى إنكاره الاعتراف بأية قيمة شرعية لصور العبادة التى استحدثها "اجتهاد" الزهاد والمتصوفة، أو حتى بالأحكام الاعتسافية التى تحكم بها السلطات الإدارية. وهذه النظرة المعادية للبدع (بقايا الوثنية، وما ابتدعته الأجيال المتأخرة، وتسللات الحضارات الدخيلة) قد تجلت بعنف شديد فى البربهارية والوهابية الأولى.
المصادر:
التراجم:
(١) فصل فى كتاب أبى بكر الخلال المتوفى سنة ١٣١ هـ (٩٢٣ - ٩٢٤ م) عن تاريخ المذهب الحنبلى، لم يبق منه إلا صفحات قلائل فى المكتبة الظاهرية بدمشق.
(٣) كتيب أبى بكر البيهقي المتوفى سنة ٤٥٨ هـ (١٠٦٥ - ١٠٦٦ م) وقد استشهد ابن الأثير فى مصنفه البداية، ج ١٠، ص ٢٣٤ - ٢٤٣، بفقرات كبيرة منه (وثمة ترجمة منسوبة أيضًا للهروى المتوفى سنة ٤٨١ هـ الموافقة ١٠٨٨ - ١٠٨٨ م)؛ وهنالك سيرتان موسعتان هما: