وعلى هذا يجب أن ننظر إلى زعماء غلاة الشيعة نظرة لا تقوم على أنهم مجرد رؤساء فرق إسلامية، لأن الإسلام لا يوجد عندهم لا من حيث هو عقيدة ولا من حيث هو شريعة. وإذا كان مؤرخو أهل السنة قد أطلقوا عليهم جميعا اسم "الغلاة" فلا شك أن فى ذلك كثيرًا من التسامح.
وقد سلك الباطنية فى دعوتهم تلك الطريقة التى ذكرها المؤلف وألم بجوهرها، وهى توجد أكثر تفصيلا عند البغدادى فى الفرق بين الفرق، وعند الغزالى فى الرد على الباطنية (ص ٥ - ٧ من طبعة ليدن سنة ١٩١٦) وعند الإيجى فى المواقف (ص ٦٢٧ - ٦٢٨ من طبعة استانبول ١٢٨٦ هـ) وعند صاحب كشاف اصطلاحات الفنون (تحت مادة سبعية) وعند الديلمى فى "قواعد عقائد آل محمد"(الباطنية)، طبعة القاهرة، ١٩٥٠، ص ٢٣ - ٣٣، ٣٨ - ٤٣، وعند كثيرين غيرهم.
ولكن مجرد الحيلة فى كسب الأنصار على هذا النحو لا تكفى، ومجرد تاكيد حق آل البيت فى الإمامة، بل دعوى ألوهيتهم، لا يكفى أيضًا، بل لابد فى محاولة كسب الأنصار على نطاق واسع من وضع فكرة عن الكون والخلق تستهوى الناس من أهل الغفلة ومن قليلى الحظ من المعرفة. لذلك نجد رئيسا ممخرقا من رؤساء فرق الشيعة الغلاة هو المغيرة بن سعيد الذى قتل سنة ١١٩ هـ يقدم لأتباعه صورة أسطورية عن اللَّه وعن خلق العالم فيقول: إن اللَّه على صورة إنسان على رأسه تاج، وهو لما أراد أن يخلق الخلق تكلم باسمه الأعظم فوقع الاسم على تاجه، ثم كتب بأصبعه على كفه أعمال العباد من المعاصى والطاعات، فلما رأى المعاصى أرفض جبينه عرقًا، فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم والثانى نير عذب. ثم نظر فى البحر فرأى ظله، فأراد أن يأخذه فطار، فأخذه وقلع عينه وخلق منها الشمس، وخلق الكفار من البحر المالح المظلم، والمؤمنين من البحر العذب النير، وخلق ظلال الناس، فكان أولها محمدًا عليه الصلاة والسلام. وهذا عند المغيرة هو معنى آية:(*){قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}.