الأمثال والقصص؛ ولا حاجة بنا إلى القول بأننا نجدها فى القرآن وتفاسيره وفى الأحاديث؛ ونجدها كذلك عند الفقهاء الذين تبدو الأخلاق عندهم يحثًا فى حالات الضمير الجزئية (١) ونجدها أخيرا عند المؤرخين ورواة الأخبار الذين يتحدثون عن الأخلاق كلما دعت الظروف إلي ذلك. ولكن علم الأخلاق منفصل عن كل هذا قائم بذاته، وليس مقتطفًا من مختلف المصنفات. هو فى الحقيقة علم يتصل بالمتوارث من الفلسفة اليونانية، سواء أكانت هذه الوراثة شفوية نقلتها المدارس الفلسفية والأديرة فى مصر والشام وفارس، أم كانت مدونة فى الكعب التى وصلت إلينا والتى أحياها المترجمون.
وقد عرف حاجى خليفة علم الأخلاق فقال:"قسم من الحكمة العملية"(حاجى خليفة، طبعة فلوكل جـ ١، ص ٢٠٠) وهذا التعريف يتضمن التفريق بين الفلسفة العملية والفلسفة النظرية، وهو أمر سبق وجوده عند أفلاطون، ولكن العرب عرفوه بصفة خاصة من المدارس الفلسفية المختلفة التى تناقلت فيما بينها هذا الرأى. وأضاف حاجى خليفة راويًا عن ابن صدر الدين الشروانى المتوفى عام ١٠٣٦ هـ (١٦٢٦ - ١٦٢٧ م) وهو قاض من أصحاب الوزير نصوح ومؤلف كتاب "الفوائد الخاقانية" أن علم الأخلاق: "هو علم بالفضائل وكيفية اقتنائها لتتجلى النفس بها، وبالرذائل وكيفية توقيها لتتخلى عنها. فموضوعه الأخلاق والملكات والنفس الناطقة من حيث الاتصاف بها" وهذا القول يحد إذن علم الأخلاق فى دراسة منهجية للفضائل والرذائل، وبذلك لا يكون علم الأخلاق سوى الفلسفة الخلقية المعروفة عند المشائين.
وهناك اعتراض مبدئى يوجه إلى إمكان تحقق جزء من هذا العلم: ذلك أنه لما كان خلق كل إنسان هو قوام شخصه وذاته، فإنه يبدو أن الخلق مغروز فى طبيعة الإنسان نفسه
(١) حالات الضمير الجزئية ترجمة (من أى حالة) ومعناه أن هناك حالات جزئية لا تنطبق عليها المبادئ العامة التى يقررها علم الأخلاق لما تثيره فى الضمير من التردد بين واجبين ظاهريين ومن ثم تحتاج كل حالة منها إلى حكم خاص.