بالأسرار السارية فى الأكوان، وصنع من هذه الحروف جداول سحرية وطلسمات. وقد عرف هذا العلم بالسيمياء (Suppl. Dozy جـ ١، ص ٧٠٨ ب) شأنه شأن الكبَّالة (١) الخاصة بأسرار الحروف عند اليهود وبذلك النوع من العلم الذى يصنع العجائب مستعينًا بالأسماء الإلهية (انظر The Kabbalah: C.D. Ginsburg, جـ ٢، طبعة لندن ١٩٢٠، ص ١٢٧ وما بعدها)، على أن ابن خلدون كان يرى أن هذا العلم ما هو إلا سحر، لأنه يقرر أنه يستمد تأثيراته من قوى الطبيعة لا من اللَّه، وإن كان يستخدم أسماءه تعالى، ومن ثم يدخل فى باب السحر وهو مذموم، (المقدمة طبعة كاترمير، جـ ٣، ص ١٣٧ وها بعدها، وخاصة ص ١١٣ وما بعدها). وكتاب البونى الكبير "شمس المعارف" (Gesch. der Arab. Litt، جـ ١، ص ٤٩٧ هو العمدة بين جميع الكتب الإسلامية التى لا تحصى والتى درست السحر حتى يومنا هذا. اما المصدران الآخران فى السحر اللذان أشار إليهما ابن خلدون فهما جابر بن حيان ومسلمة المجريطى.
ونستبين من نظرية ابن خلدون أنه لم يجد بدًا من التمييز من الناحيتين الشرعية والنفسية بين عمل السحر وعمل تلك القوى التى فطر عليها الأولياء والأنبياء. ولكن ما الفرق بين نفوس الأنبياء ونفوس الأولياء ونفوس السحرة؟ لقد كان ذلك من الأمور التى يسهل الحكم عليها كما فعل ابن خلدون (المقدمة، طبعة كاترمير، جـ ٣، ٣٤١، ١٤٠) , فإن نفس النبى والولى يسيرها رجل صالح متوخيا أغراضا طيبة، أما نفس الساحر فيسيرها رجل طالح متوخيا أغراضا خبيثة، مع وجود صلة نسب جوهرية بين النفس وبين القوة التى تعينها من الخارج، وكانت هذه هى التفرقة الشرعية القديمة (انظر تفسير البيضاوى للآية ١٠٢، سورة البقرة، جـ ١، ص ٧٦، س ٩). زد على ذلك أن الولى بكراماته والنبى بمعجزاته البينة إنما يأتيان بذلك كله ابتغاء مرضاة اللَّه