للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الملأ الأعلى وأن لهم تأثيرات روحانية وشيطانية على نفوس البشر. ومن ثم نجده قد أدخل جميع الإشارات القرآنية التى حار عقله فيها أو التى لم يخبر ما تشير إليه من وقائع فى الآيات المتشابهات، وهى ضد الآيات المحكمات، متبعًا فى ذلك تفسيرًا من تفاسير الآية ٧ من سورة آل عمران التى جاء فيها {. . . وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. . .} (ابن خلدون، المقدمة، طبعة Quatremere، جـ ١٣ ص ٤٧)، ونخرج من هذا بأن القوة الجوهرية للسحر تكمن فى نفس الساحر، ذلك أن الساحر غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عليه. وقد يدعم الساحر قوته النفسية بأمداد من القوى الغامضة فى الخارج، سواء كانت من خواص الموجودات أو الأعداد؛ وبغير ذلك من الكائنات الروحانية المتجردة من المادة. ويقول ابن خلدون إن التفرقة عند الفلاسفة بين السحر والطلسمات هو أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين، وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة فى عالم العناصر -أى فى عالمنا (المقدمة طبعة كاترمير، جـ ٣، ص ١٣٢). والظاهر أن ابن خلدون كان بصفة عامة موافقًا على هذه التفرقة بقدر ما كان يستطيع أن يحيط بالوقائع التى عرفها بنفسه (المقدمة طبعة كاترمير، جـ ٣، ص ١٢٩ وما بعدها) على أن ابن خلدون قد رأى أيضا أن أدوات السحر كما هى فى صناعة خط الرمل الذى يعمد صاحبها إلى وضع نقط وخطوط فى الرمل ويكون منها أشكالا يستخرج بها الغيب، ما هى إلا وسيلة لخروج الساحر من حالته الطبيعية وغيبته عن الحس لترجع نفسه إلى عالم الروحانيات. فمن لم توجد له هذه العلامة فليس من إدراك الغيب فى شئ وإنما هو ساع فى تنميق كذبه (المقدمة، طبعة كاترمير، جـ ١، ص ٢٠٩). ثم إنه بذلت بعد ذلك محاولة من قبل البونى المتوفى سنة ٦٢٢ هـ (١٢٢٥ م) متبعًا طرائق الغلاة من المتصوفة وأهل التصرف، فقد سعى إلى وضع طريقة للسحر المشروع تقوم على تصرف النفوس الربانية فى عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة