أثر بعيد فى نشر المذهب المالكى فى الشريعة فى المغرب، وترد معظم المصادر تاريخ رحلة سحنون إلى الشرق حتى عام ١٨٨ هـ، بيد أن هذا خطأ واضح، وكذلك أخطأت الرواية التى تقول إن ذهابه إلى الشرق كان إبان حياة مالك، مع أن مالكا توفى عام ١٧٩ هـ؛ على أن سحنونا نال فيما بعد بغيته فأبعد الرحلة فى الشرق، وأدى فريضة الحج صحبة عبد الرحمن وأشهب وابن وهب، وركب الجمل خلف ابن وهب، ثم زار أيضًا المدينة والشام يأخذ العلم عن أبرز اتباع مالك، وعاد إلى القيروان عام ١٩١ هـ وجعل همه نشر آراء مالك؛ وقال بعض من كتبوا سيرته إنه كان أول من أدخل هذه الأراء فى الغرب، بيد أن عليا بن زياد والبهلول وأسد بن الفرات سبقوه إلى للقين الموطأ أو أجزاء منه على الأقل؛ وشرح سحنون هذه الآراء فى مصنف كبير هو "المدونة" معتمدًا على نص أسد ابن الفرات؛ شارحا إياه بسؤال عبد الرحمن بن القاسم فى كل شاردة وواردة، وهنا تجلت براعة ابن القاسم وسحنون؛ ويسأل سحنون: أهذه النقطة يؤيدها الحديث أو قول مالك؟ فيجيب ابن القاسم: هذا هو ما قاله مالك أو هذا أيى؛ وإنا لنرى أن المدونة قد أفسحت مجالا كبيرًا للأحكام المعتمدة على العقل ولم تبذل فيها محاولة ما لإيراد الأحاديث الصحيحة أو الموضوعة تدعيما لرأى من الأراء الشرعية، ومن ثم فإن المدونة كتاب سهل التناول واضح اللغة، وهو شاهد أمين على لوذعية جامعة وشيخ جامعة؛ وتوفى وهب، وهو أخ غير شقيق لسحنون، فكان ابن أبى جواد الذى سبق سحنونا فى ولاية القضاء، يؤذن للصلاة، فأبى سحنون أن يرددها بعده، لأن ابن ابى جواد كان من المعتزلة؛ وبلغ هذا مسامع الأمير زيادة اللَّه (حكم من سنة ٢٠١ إلى ٢٢٣ هـ) فأمر والى قيروان بأن يجلده ٥٠٠ جلدة؛ وعلم وزيره على بن حميد بما كان من الأمير فأوقف الرسول الذى كان يحمل الأمر وذهب إلى الأمير يسعى لإلغاء العقوبة، وقال للأمير أن البهلول كان قد أوقع عليه عقاب من هذا القبيل (عام ١٨٣ هـ) بأمر من الأمير محمد بن مقاتل، فما كان من زيادة اللَّه إلا أن عفا عن سحنون، وقد حدث فى