للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اثناء المدة القصيرة (٢٣١ - ٢٢٣ هـ) التى اغتصب فيها السلطان أحمد بن الأغلب أن استحدث أحمد نظام التحقيق فى بدعة القول بخلق القرآن، فولى سحنون الأدبار من القيروان، ولجأ إلى صومعة صوفى يسمى عبد الرحمن فى قصر زياد؛ وأنفذ أحمد رجلا من رجال البلاط يدعى ابن سلطان للقبض على سحنون لأنه كان يعلم أن ابن سلطان هذا يكره سحنونا، شأنه فى ذلك شأن معظم رجال البلاط، وذلك نظرًا لانتقاده المر لحياة الفسق والفجور التى كانت تسود البلاط، على أن الضغينة التى كان يكنها أحمد لسحنون رققت من قلب ابن سلطان عليه؛ ولكن ابن سلطان خاف على نفسه فحمل سحنونا أسيرًا إلى القيروان، بيد أنهما ما إن أصبحا على مسيرة ميل من المدينة حتى بلغتهما أنباء استعادة محمد بن الأغلب لسلطانه ومقتل أحمد، وكان من نتيجة ذلك أن اطلق سراح سحنون، وكان أول أعمال محمد بن الأغلب عزل القاضى عبد اللَّه بن أبى الجواد، وقد وقع هذا العمل من نفس سحنون موقع الرضا، فهتف قائلا فى حضرة الأمير والقاضى: جزى اللَّه الأمير على تحريره الناس من ظالمهم؛ وعندئذ عرض محمد سنة ٢٣٣ هـ ولاية القضاء على سحنون، إلا أنه ظل عامًا بطوله يرفض قبول المنصب، ثم قبل أخر الأمر فى رمضان عام ٢٣٤ هـ وقال لابنته خديجة بهذه المناسبة: "اليوم ذبح أبوك بغير سكين"، وكان بعض الناس قد اقترح أن يلى القضاء سليمان بن عمران، ولكن الأمير رفض الأخذ بهذا الاقتراح قائلا إنه ما دام سحنون على قيد الحياة فليس أصلح منه للقضاء بين الناس؛ ولم يقبل سحنون عطاء أو مرتبا من الأمير، وإنما كان يوفى نفقاته ونفقات موظفيه من جزية الرءوس التى كانت مفروضة على الكفار، ولكى يتسنى له أن يقضى بين الناس فى هدوء لا يزعجه شئ أمر فشيدت له غرفة تجاور المسجد، ولم يكن يسمح بدخولها إلا للمتقاضين وشهودهم.

كان من أول أعماله أيضًا أن حرّم دخول المسجد على الفرق الضالة جميعًا، وكان سحنون أيضًا أول من نصب إمامًا ثابتًا للمسجد، وأول من عهد بالأموال المرهونة إلى من يوثق بهم من أهل المدينة، فى حين أن هذه