الأموال كانت تحفظ فى بيت القاضى حتى ولى سحنون القضاء؛ وكان سحنون فى قضائه يعامل الخصوم جميعا أطيب معاملة، وكان يبذل قصارى جهده للتهدئة من روع المتقاضين والشهود بأن يقول لهم أن يصارحوه بما يعلمون، وكان يصطنع غاية الحذر وهو يجيب عن المسائل الشرعية، ذلك أنه كان يعتقد أن الإجابات الصادرة عن تعجل تزيد الأمور اضطرابا أكثر من أى شئ أخر، قد أورد كتاب سيرته المتأخرون كثيرًا من كراماته، مما يدل على الاحترام الذى كان يكنه الناس له فى قلوبهم؛ وقد توفى فى يوم الأحد السادس أو السابع من رجب عام ٢٤٠ هـ؛ وحزن الناس لموته حزنا عظيما بالرغم من أنه كان قد بلغ من العمر عتيا؛ يقول بروكلمان (History of Arabic Literature: Brockelmann) إن الفضل فى نشر مذهب مالك فى الغرب يرجع إلى أسد بن الفرات وابن القاسم، إلا أن جل الفضل فى ذلك يرد كما سبق لنا القول، إلى ما بذله سحنون من جهد فى ترتيب المدونة ونشرها، وهى مصنف جامع شامل يزيد كثيرا عن موطأ مالك ولو أنه يعتمد عليه ومخطوطات المدونة نادرة بعض الشئ، بيد أنها طبعت طبعتين فى القاهرة، وإحدى الطبعتين فى أربعة مجلدات من قطع الربع، طبعت عام ١٢٢٤/ ١٢٢٥ هـ, والثانية فى ١٦ جزءًا طبعت عام ١٩٠٥/ ١٩٠٦ م من قطع الثمن؛ وثمة سبعة أجزاء منها عند بعضى الناس كتبت على الرق فى القيروان حوالى عام ٤٠٠ هـ وقد استطعت الرجوع إليها.
واختصر أبو محمد عبد اللَّه بن أبى زيد (المتوفى عام ٣٨٦ هـ) مصنف سحنون ذلك أنه كان أكبر من أن يتيح للمطلعين الرجوع السريع إليه؛ وطبع مصنف أبى محمد عدة طبعات، وقد شاهدت أيضًا فى حوزة بعض الناس مخطوطًا قديمًا كتب قبل عام ٤٠٠ هـ وعنوان هذا المصنف "مختصر المدونة" ويشتمل على بعض زيادات أدخلها ابن أبى زيد، وثمة مختصر للمدونة من صنع أبى سعيد خلف بن القاسم الأزدى البراذعى، وكان من أكبر تلاميذ ابن أبى زيد، وقد أعاد ترتيب المختصر