الصوفى تعاليم فى الخلق غير تعاليم المؤلف الدينى، ويخالف المؤلف الدينى الفيلسوف، والفيلسوف الشاعر والمؤرخ. ثم إننا إذا عرفنا المدرسة الفلسفية التى ينتسب إليها مؤلف ما، فإن من السهل أن نعرف إذا كانت تعاليمه الخلقية أقرب إلى تعاليم أفلاطون أو تعاليم أرسطو أو إلى تعاليم أصحاب الحكم والأقوال المأثورة، أو آباء الكنيسة؛ فنحن نجد فى الكتاب المسمى "معاتبة النفس" -وقد لا يكون هذا الكتاب من تأليف رجل مسلم- وصفًا للفضائل على أسلوب أفلاطونى، فأمهات الفضائل فيه هى: الحلم والحكمة والشجاعة. ونجد الفضائل عند نصير الدين الطوسى الذى ينتسب إلى مدرسة الفلاسفة مقسمة وموصوفة على نحو ما هى عليه عند المشائين وفلاسفة العصور الوسطى، ولو أن هذا المؤلف أفرد "للعدالة" مكانة هامة وعالجها على نحو أفلاطونى. -ونجد عند الغزالى- الذى هاجم الفلاسفة والذى يشبه إلى حد كبير آباء الكنيسة فى طبيعة تفكيرهم دقة فى التحليل وعمقًا فى النظر وحوارة فى العاطفة خالية من التنظيم والترتيب، ولكنها تذكرنا بمجاهدة رجال الدين فى سبيل رياضة النفس. ونجد عند الإبشيهى بنوع خاص محاولة مشكورة فى ربط عدد كبير من الحقائق الجزئية المستمدة من الحوادث التاريخية ربطًا فلسفيًا. وهناك صفات مشتركة بين هؤلاء الأخلاقيين جميعًا: فهم ينزلون بعض الفضائل منزلة خاصة كالإيثار والقناعة بما قسم وضبط اللسان والصبر. وهذه الفضائل كثيرًا ما تذكر فى كتبهم، وهى تنم عن روح الإسلام بصفة خاصة. وهم يشتركون كذلك فى اعتبار الرذائل أمراضًا نفسية، وفى تشبيه الأخلاق بالطب، ويبلغ مذا التشبيه كماله عند المتصوفة الذين يشبهون الطبيب
الروحانى بطبيب الأجساد. وعلى هذا فعلم الأخلاق هو صناعة مداواة الأمراض وحفظ الصحة. وغايته الحصول على السعادة، وتلك غاية رسمها أرسطو وأفلاطون. وتلاحظ كذلك عند هؤلاء المؤلفين نزعة -كنزعات فلاسفة العصور الوسطى-إلى تقسيم الفضائل تقسيمًا منهجيًا -ويقوم هذا التقسيم على تحليل قوى