يغلب فى شعر سعدى على المناحى الأخرى، وإلى ذلك ترجع شهرته العظيمة.
ولاشك فى أن سعدى كان متبحرا فى "علوم" الصوفية، فقد أخذ عن شهاب الدين سهروردى ببغداد فضلا عن أنه حضر على عبد القادر الجيلانى (بوستان، طبعة Gurf، ص ١٥٠)، بل لعله لقى جلال الدين الرومى ص ١٦٥ وما بعدها)، إذا أخذنا بحكاية رواها أفلاكى (ترجمة Huart، جـ ١ ص ٢٣٨ وما بعدها)، ولا شك فى أن الآراء الصوفية التى جرى سواد الناس على اعتبارها من البدع كانت بالنسبة إليه وإلى غيره مادة أدبية قيمة. أما مسألة هل تأثر سعدى بالأحاسيس الصوفية أم لم يتأثر فإنا نرجح أن الإجابة عنها بالنفى. ذلك أن طبيعته العملية قد مالت به إلى الأخذ بالنهج الأخلاقى، وهو إنما اصطنع الصوفية للسمو بنظرة الناس الأخلاقية إلى الحياة الدنيا. ولذلك نراه فى كثير من الأحوال يلجأ إلى الفطرة السليمة فى الحد من شدة إقبال الناس على الحياة الآخرة. ويجب ألا ننشد فى بوستان تلك المشاعر الصوفية العلوية التى نجدها فى "مثنوى" أو "منطق الطير"، وكثيرا ما يتحدث سعدى عن المتصوفة، إلا أن موقفه منهم كان على الدوام أقرب إلى رجل الأخلاق منه إلى شيخ من السالكين. وقد تحقق مثله الصوفى العملى فى "صاحبدلان (١) "، وهم جماعة الحكماء بحق، الذين لا يحفلون بمظاهر الحياة وإن كانوا لا يحتقرونها كل الاحتقار، ذلك أن تعرض هذا العالم للفناء هو بالذات علة ماله من قيمة نفيسة تجعله كالياقوتة النادرة. وقد أثبت سعدى فى مواضع كثيرة أنه مسلم صادق الإيمان، إذ يجد فى تنوع العالم الدنيوى وجماله باعثا يدعو المرء إلى التسبيح بحمد اللَّه وشكره على نعمائه، وهو يقول بالقضاء والقدر فى اعتدال، وينكر الإسراف فى الورع والتقوى قائلا:"لا تكونوا أكثر ورعا من محمد".
وقد جنى سعدى بوصفه رجلا من رجال الأخلاق فائدة عظيمة من صروف الدهر التى مرت به، وقد صبغت معرفته بالدنيا أفكاره وآراءه بالنزعة العالمية التى لم يدركها شاعر