فارسى آخر غيره، ولعل سعدى استطاع بفضل ذلك وبفضل ما عرف عنه من رشاقة الأسلوب أن يكتسب تلك الشهرة العظيمة فى داخل وطنه وخارجه مما جعل الكتاب يقارنونه بهوراس Horace ورابليه Rabelais ولافونتين Lafontaine وهو ينظر إلى العالم نظرة فكهة فيها رحمة، وكان لا يلجأ إلى الهجاء والسخرية إلا فى النادر، ولا يمل قط من حث قرائه على اتباع نصائحه الخلقية، وهذه التعاليم الأخلاقية التى نجدها خاصة فى كلستان وبوستان ويندنامه، أبعد ما تكون عن الوحدة والتناسق. وقد ساق سعدى فى بندنامه شواهد من الفضائل والرذائل وجهها لأهل هذه الدنيا الفانية، والظاهر أنه كان يرى أن الطيبة هى الفضيلة الكبرى، ونعنى بها أنه يجب على المرء أن يحب إخوانه البشر حبا بريئا من الإثرة والأنانية، ومن يؤت هذه الفضيلة خلد ذكره بين الناس بحق. على أن مثل سعدى الأخلاقية الخاصة بالمجتمع تختلف فى بعض الأحيان عن ذلك اختلافا شديدا. فهو فى هذا المقام يؤثر أحيانا الانتقام على الرحمة والكذب على الصدق، ويحض المرء على المحافظة على استقلاله عن غيره من الناس بجميع الوسائل. وساق للأمراء خاصة بعض الوصايا التى تتسم بالطابع المكيافيلى (الجزء الثانى من "الرسالة" السادسة بحث وجيز فى السياسة أهداه إلى أنقيانو)، وثمة مثل أخلاقية أخرى ضربها للدراويش.
ويتعذر علينا أن نؤمن بإخلاص سعدى وصدقة مع اختلاف نظرته الأخلاقية هذا الاختلاف، وخاصة أن ميزان استقامته وصلاحه قد تعدل بتلك البذاءات التى ذكرها فى بعض فصول كلستان وفى الخبيثات، ولو أنه حاول فى مقدمة هذا الديوان أن يعتذر عن ذلك بقوله إنه لم يستطيع التنصل من أمر صدر إليه بنظم هذه القصائد، على حين أننا إذا عرضنا لشاعر مثل الفردوسى فإنه يصعب علينا فى كثير من الأحوال أن نفرق بين شعره الذى يعبر عن ذات نفسه وبين شعره الذى يجب أن نعده استجابة منه إلى ذوق أرباب نعمته وذوق الجمهور. ويجدر بنا دائما أن نضع موضع الاعتبار