للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يصدق إلا على العهد الأول الذى استعيرت فيه كلمة من قبيل السفينة. وسرعان ما أحس القوم بالفهم لها، ومن ثم لم تصبح فكرة السفينة شيئا غريبا على العرب. والأمر على خلاف ذلك بالنسبة للمسألة التى كثر حولها الجدل وهى: هل كان العرب حقًا فى صدر الإسلام على دراية بالبحر وبالملاحة؟ ولم نصل بعد إلى جواب شاف لهذه المسألة، وقد اكتفى الكتاب بذكر الأسباب المؤيدة لهذا القول والأسباب المعارضة له.

والشئ الذى أثار هذه المسألة فى بادئ الأمر هى الأوصاف التى ذكرها القرآن الكريم عن البحر، فقد تساءل بارتولد [بمنظور المستشرق] بحق (Zeitschrift der Deutschen Morgenandi-chen Gesellschaft: W.Barthold جـ ٨ سنة ١٩٢٩، ص ٣٧ - ٤٣) كيف تأتت للنبى محمد صلى اللَّه عليه وسلم هذه الصور الواضحة عن البحر وعواصفه ومن أين استقاها؟ ذلك أنها من أزهى الصور الواردة فى القرآن الكريم (١). ويقول بارتولد: "أن هذه المسألة لها أهمية خاصة، ذلك أن أوصاف البحر كانت من الأمور الغريبة بوجه عام على الشعر العربى، وخاصة الشعر الجاهلى، وإن سيرة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لا تدل على أنه قام بأية رحلة بحرية حتى وإن كانت بالقرب من الشاطئ". كما أنها لا تدلنا على أنه زار أى ثغر من الثغور المعروفة فى ذلك الوقت مثل جدة أو شُعَيْبَة أو غزة. وذهب نولدكه فى افتراضه (Isl جـ ٥ سنة ١٩١٤، ص ١٦٣، تعليق رقم ٣) إلى أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يجوز أنه زار بشخصه هذه البلاد فى مناسبة من المناسبات عندما كان يتعامل فى تجارة قريش مع الحبشة، إذ إن سورة يونس الآية رقم ٢٣ (٢) وسورة العنكبوت،


(١) هذا القول يشعر بأن القرآن من كلام محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد سبق أن رددنا على هذه الدعوى التى يقول بها كثير من المستشرقين فى مواضع مختلفة من هذه الدائرة، بل أن هذه الصور الرانعة لركوب البحر هى من أقوى الدلائل على أن القرآن ليس من تأليف النبى، وهو لم يركب البحر فى حياته، بل جاءه بها الوحى من عند اللَّه تعالى. انظر العمود الثانى من الصفحة التالية. [م. ع]
(٢) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو ٢٢. [م. ع]