للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآية ٦٥، وسورة النور، الآية ٤٠، تبدو لنا وكان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد كابد بشخصه أهوال السفر فى البحر. واستخلص فرانكل (كتابه المذكور ص ٢١١) من القرآن: "أن العرب الأولين كانوا يدركون حق الإدراك أن بلادهم يحف بها البحر من ثلاثة جوانب، وأن ركوب البحر كان عظيم الأهمية على الأقل بالنسبة للبيئات التجارية التى كان ينتسب إليها محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وإلا فما كان يتحدث النبى -كما يرى فرانكل- فيما لا يقل عن أربعين آية عن فضل اللَّه فى تسخير البحر للناس.

ولم يقف فرانكل عند هذا الحد بل تحدث عن حركة "التجارة المنتظمة" مع الحبشة التى أشارت إليها الروايات فيما أشارت، فقد ورد ذلك فى روايتين تذهب إحداهما إلى أنه قد استخدمت أخشاب سفينة جنحت عند شعيبة فى بناء الكعبة (الطبرى، جـ ١، ص ١١٣٥) وتذهب الأخرى إلى أن "المهاجرين" الأولين أبحروا على سفينتين تجاريتين كانتا ذاهبتين إلى الحبشة (الطبرى، جـ ١، ص ١١٨٢). أما عن السفينة التى جنحت فقد قيل على وجه اليقين إنها كانت سفينة رومية، وليس فى الرواية الأخرى ما يدل على أن هاتين السفينتين كانتا عربيتين (ويرى لامنس Lammens: La Mecque ص ٢٤٨ = ٣٨٠ أن هاتين السفينتين غير عرببيتين). وتدل جميع الدلائل على أن القول الراجح هو أن هذا الاتصال بين بلاد العرب والشاطئ المقابل لهم كان يقوم به الأحباش، وهو قول قال به أيضا بارتولد (W. Barthold: كتابه المذكور ص ٤٣) لأسباب مختلفة عن ذلك كل الاختلاف. بل إن لامنس (La Mecque: Lammens ص ٢٨٩ = ٣٨٥) يتحدث عما كان للأحباش من سيادة على البحار ولا يجد فى الأخبار المكية أى ذكر لسفينة عربية تاجرت مع مملكة أكسوم، ولو أن حديثه لا يخلو من اعتراضات توجه إليه (المؤلف نفسه: L, Arabie Occidentals ص ١٥). على أن لامنس يعترف بأن الإشارات الكثيرة فى القرآن الكريم والسيرة إلى الملاحة تنم بأن العرب كانوا على دراية وثيقة بالبحر،