إلا أنه لم يرد قط أن أحدًا من عشيرة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أو بدويًا من تهامة كان بحارًا، فقد تركت هذه المهنة لغيرهم على شاطئ البحر الأحمر (المؤلف نفسه: La Mecque ص ٢٨٣ - ٣٧٩).
ومن الإشارات إلى الملاحة فى الشعر العربى القديم البيت رقم ١٠٢ من معلقة عمرو ابن كلثوم وهى إشارة هامة بصفة خاصة. فهو يفخر بقومه بنى تغلب قائلا إن سفنهم تغطى وجه البحر، فى حين يسلم كولدسيهر (Z.D.M.G جـ ٤٤، سنة ١٨٩٠، ص ١٦٥ وما بعدها) الذى يأخذ برأى فرانكل بأن هذا البيت عظيم الأهمية بلا شك. ويميل نولدكه (Nnldeke: Funf Moallaqat، جـ ١، ص ٤٩) إلى الرأى القائل "إن بنى تغلب جروا فى بعض الأحيان على السير فى نهر الفرات بالقوارب" وأن ذلك "لا يمكن أن يكون له شأن بركوب البحر بمعناه الصحيح".
وهو يرى أن كلمة "بحر" فى هذا المقام معناها مياه الفرات الفسيح الجنبات. وإنما يدل نص البيت على أننا بصدد شاعر يفخر (انظر أيضًا Jacob: Beduinenleben ص ١٤٩) ويزداد تفاخره أثرًا فى النفوس لأن هذا النوع من النشاط على متن الماء لم يكن معروفا للقبائل الأخرى؛ بل إن من المؤكد أنهم كانوا يخشون الماء. ونحن إذا تغاضينا عن هذا البيت الفريد وجدنا أن كولدسيهر (كتابه المذكور) يبين أن البحر وغيره من أسباب الملاحة كانت تستخدم فى الشعر القديم على سبيل المجاز. فالقافلة فى سيرها مثلا تشبه فى كثير من الأحيان بالسفن تسير فى البحر.
وهذه الصور التى هى فى الغالب لا لون لها ربما تكون قد نشأت على الساحل، ثم تنقلت فى داخل البلاد صيغا محفوظة، وليس من الضرورى أن يكون الشاعر الذى استخدمها على دراية شخصية بالبحر. ويجدر بنا أن نذكر القارئ فى هذا المقام بطبيعة النسيب الذى جمد على أساليب وصور محفوظة.