للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وليس بغريب اذن أن تُذكر الأحاديث فيما بعد، بعد أن تبينت فى النهاية قيمة الملاحة فى السلم والحرب، وكلها تبيح بشكل قاطع التجارة بحرًا وتشيد بفضل الاستشهاد فى البحر (انظر Handbook: Wensinck مادتى Barter, Martyr؛ وانظر أيضًا L, Arabie Occ.: Lammens, ص ١٥ وما بعدها). على أن هذا الرأى لم ينتشر إلا بعد زمن طويل، بل إنه فى الوقت الذى كان فيه النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- يقطع على قريش سبيل التجارة مع أسواقها فى الشمال، آثر القرشيون القيام بدورة كبيرة عبر الصحراء على المغامرة باتخاذ أى طريق بحرى (LaMecque: Lammens ص ٢٨٥ = ٣٨١) وظل الخلفاء الأولون ممتنعين عن القيام بأى مغامرة فى البحر، فقد تأثر الخليفة عمر أبلغ التأثر من جراء النكبات التى ألمت بالمسلمين فى البحر المتوسط والبحر الأحمر (الطبرى، جـ ١، ص ٢٥٩٥، ٢٨٢٠؛ ويقال إنه منع الملاحة [أو على الأقل منع الملاحة للأغراض الدنيوية] انظر Goldziher فى Z.D.M.G, جـ ٤٤، ص ١٦٥ وما بعدها)، بل ذهب إلى أبعد من ذلك فعاتب شيخ قبيلة بجيلة عرفجة بن هرثمة الأزدى البارقى الذى كان قد أمره بالإغارة على عمان لأنه نفذ ما أمره به بحرًا على الرغم من أنه نجح فى أداء مهمته (ابن خلدون: العبر، جـ ١، ص ٢١١) على أنه ما انقضت خمس سنوات على وفاة النبى صلى اللَّه عليه وسلم (١٥ هـ = ٦٣٧ م) حتى وصل أسطول عربى من عمان إلى تانة بالقرب من بومباى، كما شخصت حملة أخرى إلى خليج ديبل (البلاذرى: فتوح البلدان. ص ٤٣١ وما بعدها). وقد كان معاوية هو منشئ البحرية العربية. فقد أحس بحاجته إلى إنشاء عمارة بحرية تزداد شيئًا فشيئًا إبان حروبه مع الروم، وهى الحروب التى هددت فيها الثغور الفينيقية كثيرا. وكان يلقى فى هذا السبيل مقاومة من الخلفاء فى أثناء ولايته على الشام، ولكن عثمان وافقه على رأيه آخر الأمر.