وكانت الإسكندرية بصفة خاصة تقدم السفن والملاحين. ويقال إن معاوية قام بإنشاء القواعد البحرية على الشاطئ الفلسطينى أيضا (البلاذرى، ص ١١٧؛ غير أن بعض الكتاب يخالفون هذا القول) وعلى الرغم من خوف العرب من البحر فإنهم تحولوا من الصحراء والجمل إلى البحر والسفينة بسرعة تبعث على الدهشة (انظر Wellhausen فى N. G. W. Gott سنة ١٩٠١، ص ٤١٨). وسرعان ما ظهر من بينهم أمراء بحر شجعان وخاصة بُسر وأبو الأعور.
أما الإلمام بتطور الملاحة العربية بعد ذلك فإنه يبعدنا عن الغاية من هذا المقال، وإن اقتصرنا على الخطوط العريضة لهذا التطور. وأما مسألة: هل كان العرب على دراية بالملاحة فى بداية الإسلام، فإنا نلاحظ فى هذا الشأن ما يلى: من العسير أن نأخذ برأى كولدسيهر (Z.D.M.G جـ ٤٤، ص ١٦٥ وما بعدها) القائل "بأن العرب الأولين كانوا ملمين بالملاحة إلماما تاما" حتى "تملك قلوبهم رعب من البحر بعد ذلك"(من البديهى أن يكون العكس هو القول الذى يؤخذ به). ولعل الحقيقة أن كلا الرأيين كان قائما أحدهما إلى جانب الآخر.
والظاهر أن الرهبة من البحر كانت من خصائص عرب الحجاز، وبمجئ الإسلام أصبحت أحوال هذا الإقليم وآراء أهله هى الأمر المأثور إن صح هذا التعبير، من ثم غدت رهبة البدوى من البحر فى نظر الناس هو الصفة المميزة لغالبية السكان فى شبه الجزيرة العربية قديما. على أن الموقع الجغرافى لبلاد العرب يدعو إلى افتراض قيام حركة تجارية ساحلية قلت أو كثرت منذ أقدم الأزمنة. بل إنا لنجد فى المشرق أن الرواية القائلة بوقوع نشاط كبير فى البحر قد بقيت حتى ظهور الإسلام، ذلك أن المسعودى قد احتفظ فى كتابه مروج الذهب (جـ ١، ص ٣٠٨)، بقصة قديمة تذهب