وهذا الاقتصار على ما أُورد من معان، مع ورود غيرها فى المادة ليس إنصافا للتفكير الإسلامى، ولا وفاء بالمنهج اللغوى عند أهله، فإنهم لا يسوون بين معانى الصيغ المختلفة من المادة الواحدة، بل يخصون كل صيغة بمعنى، فى تفريق دقيق، فلا يستوى عندهم معنى السلامة، والسلم، والسلام. . إلخ، بل يقدرون مالاختلاف المبانى من أثر فى اختلاف المعانى -كما يقولون.
وهكذا ترى أن الهزال الذى أخرج به كاتب الدائرة معنى مادة "السلام" قد حرمها من الخصوبة المعنوية، التى عرفتها لها المعاجم اللغوية، والمعاجم القرآنية القديمة نفسها. . من مثل أن السلام ضد الحرب. . وأنه الصلح. . . والبراءة. . . وإن السلام "اسم اللَّه" هو: السلام المطلق، الحق، الذى لا مثنوية فى صفته.
وأن اسم السلام للَّه يتحقق فى العبد نفسه، إذ يسلم قلبه من الغش، والحقد، والحسد، وإرادة الشر -الغزالى: المقصد الأسنى فى شرح أسماء اللَّه الحسنى من شرح اسم السلام- ومثل أن السلامة الحقيقية ليست إلا فى الجنة -دار السلام- إذ فيها بقاء بلا فناء؛ وغنى بلا فقر؛ وعز بلا ذل، وصحة بلا سقم -الراغب الأصفهانى: المفردات فى غريب القرآن "مادة سلم"-
ومن كل هذا وما إليه ندرك أن المادة فى قول الأقدمين أنفسهم توحى بالكثير من آمال البشرية، التى تهفو إليها حينما تذكر كلمة السلام اليوم. . وأنها لا تحد بتلك المعانى القريبة التى ذكرت هنا من العافية، والبركة، والتحية. . بل إن التفكير الإسلامى يستشعر من كون السلام اسما للَّه، ومن تسمية الجنة دار السلام، ومن هداية القرآن سبل السلام وما إلى ذلك، يستشعر آفاقا فسيحة ومشاعر سامية، ومرامى بعيدة، قد حرمت منها المادة فى عرض الدائرة لمعناها.
وأما عدم وفاء الكاتب بالمنهج اللغوى الحديث فلأنه يبحث عن المعنى المادى الأول، والمدلول الحسى الأسبق للمادة، لينتقل منه إلى تدرج معانيها، وتطور مدلولاتها، مستصحبا ما أحسته