اللغة لمادة "السلام" منذ بدأت فى القديم استعمالها إياها فى الماديات، فيدرك بذلك ما تثيره اللفظة من أحاسيس ومشاعر، فى وجدان أصحاب تلك اللغة، يجدونها قوية نافذة حين ينتقلون من المعنى الحسى إلى الاستعمالات المعنوية ثم التجريدات الذهنية.
والنظرة الباحثة عن المعنى الحسى الأول لمادة "السلام" تهدى إلى أن: السلام اسم شجر، ليس بذى شوك، يكون أبدا أخضر، تستظل به الظباء، ولها فى ظله جمال يحدث عنه الشعراء -لسان العرب مادة س ل م-.
وإذا ما كان هذا الشجر كما ترى دائم الخضرة ظليلا فهو أصلح للدلالة على الرمز للسلام الحديث من غصن الزيتون، الذى يرمزون به الآن للسلام.
وفى هذا المعنى المادى الأول للسلام من الإيحاء الفنى، والإثارة النفسية الطيبة ما حرمت منه المادة، بصورتها التى قدمها بها الكاتب.
وبهذا الهزال المعنوى يسلب الكاتب -بقصد أو بغير قصد- ما لمادة السلام من دلالة قوية بعيدة على نظرة الإسلام إلى السلام الإنسانى، ودعوته إليه -مما لا يتسع المقام هنا لبيان شئ منه- وهو ما توليت بيانه فى أحاديث عن القرآن أذيعت منذ تسعة عشر عاما.
يحكم الكاتب بأن لفظ السلام يغلب استعماله فى القرآن صيغة تحية، أى أن كل مدلولها هو التحية القولية، وهو حكم لا يصدق إلا على أساس من المعنى الأجرد الذى قصر عليه الكاتب كلمة "السلام". . أما الذين تمثلوا معنى المادة تمثيلا صحيحا فيدركون من معناها ما هو أكثر من مجرد التحية، وهذا الراغب الأصفهانى فى مادة "س ل م" من مفرداته تنظر فى مثل. . "قيلا سلاما سلاما" و"سلام لك" و"قل سلام" و"سلام على نوح". . . و"سلام على موسى وهرون" و"سلام على إبراهيم". . . إلخ فلا يرى فى مثل هذا أنه سلام بالقول والفعل جميعا. وفيه تنبيه من اللَّه تعالى أنه جعلهم بحيث يثنى عليهم ويدعى لهم. . .فهو بهذا المعنى أكثر من صيغة تحية كما يفهم الكاتب، لأنه سلام بالقول والفعل جميعا، وتقدير لدرجتهم، وثناء عليهم، ودعاء لهم. . . إلخ.