وسترى أثر هذا الفهم القريب لمعنى السلام يظهر فيما يلى حين يشير إلى وروده فيما ليس ابتداء لقاء أو خطاب، والتماسه تفسيرا آخر للسلام.
ثم يقرر الكاتب استقرار الرأى بين المسلمين فى تاريخ متقدم جدا عن أن تحية السلام كانت من شرائع الإسلام.
ثم يتعب بما يطيل به من أن هذه التحية فى اليهودية، وأن جولدسيهر قد بين أن صيغة سلام كانت مستعملة بمعنى التحية قبل الإسلام، وأن النقوش تدل على هذا. . . إلخ.
وقبل التعقيب على هذا كله نضع بين يدى الكاتب عبارة خاصة بهذه الشئون كلها، ولابد أنه قد قرأها حين رجع إلى "لسان العرب" الذى تكررت إشارته إليه، وتلك العبارة هى بنصها:
". . . وكانت العرب فى الجاهلية يحيون بأن يقول أحدهم لصاحبه: "أنعم صباحا، وأبيت اللعن؛ ويقولون سلام عليكم فكأنه علامة "المسالمة، وأنه لا حرب هناك، ثم جاء اللَّه بالإسلام فُقصروا على السلام وأمروا بإفشائه".
فالنص -كما نرى- صريح فى أن العرب قبل الإسلام كانوا يحيون بالسلام ويحيون بغيره، ولما جاء الإسلام قصرهم على السلام. . وإذن فالتحية بالسلام لم تكن من عمل الإسلام إلا بقدر القصر عليها والاكتفاء بها. . بل أكثر من ذلك ما نجده فى مراجع رجع الكاتب فى هذه المادة إليها ونص عليها، وهى ترفع التحية بالسلام إلى ما قبل الجاهلية العربية وأقدم منها، فتجعلها تحية البشرية منذ خلق آدم، وذلك ما فى صحيح البخارى أول كتاب الاستئذان -وقد رجع الكاتب إلى هذا الكتاب نفسه- أن السلام تحية آدم وتحية ذريته. وحسبنا من هذا نص اللسان على ما كان من تحية العرب، فما من حاجة مع هذا النص إلى أن يبحث "جولدسيهر" عن شواهد من الشعر أو النثر تثبت أن العرب كانت تحيى فى الجاهلية بالسلام.
ولا مجال لما قال الكاتب من استقرار الرأى بين المسلمين فى تاريخ متقدم جدا على أن تحية السلام كانت من شرائع الإسلام. . .! ! فلا استقر رأى. . ولا كان ذلك فى تاريخ متقدم جدا، ولا متأخر.! !