شهرين آخرين فى حلب حيث قام منها بيرى باشا بحملة على القزلباش، وعاد سليم إلى الآستانة فى ٢٥ يولية ثم إلى أدرنة فى ٤ أغسطس، وقد عين ابنه سليمان واليا على صاروخان وكان قد حل محله أثناء غيابه.
ومن الأعيان الذين أرسلهم سليم من مصر إلى قصبة البلاد رهائن، المتوكل، آخر الخلفاء العباسيين فى بلاط المماليك بالقاهرة وكان قد رافق قانصوه إلى حلب هو وثلاثة من كبار قضاة مصر وألقى فى غيابة السجن بعد واقعة دابق، وعاملهم سليم معاملة كريمة جدا، ثم صحب المتوكل السلطان إلى مصر، حيث كان أبوه وسلفه قد حل محله أثناء غيابه بتقليد من طومان باى، وكان سليم قد سعى فى عدة مناسبات إلى الانتفاع بنفوذ الخليفة فى مفاوضاته مع طومان باى، ولكنه لم يفلح، واضطر المتوكل فى يونية سنة ١٥١٧ إلى مغادرة مصر، ويبدو أنه قد أرسل إلى الآستانة عن طريق البحر، وقيل أن سلوكه فيها حمل السلطان على أن يسجنه فى قلعة "يدى قله" حيث بقى فيها إلى أن توفى سليم، ثم عاد بعد ذلك إلى القاهرة فى تاريخ لا نعرفه الآن على وجه التحقيق، ولم يذكر هذه التفاصيل عن الخليفة المتوكل إلا المؤرخ ابن إياس، ولعله بالغ كثيرا فيما كان له من شأن فى الحملة المصرية، على حين لا يذكر الأخباريون العثمانيون كلمة واحدة عنه، ويجوز لنا أن نخرج من هذا بأن شأن الخلافة العباسية والخليفة العباسى كان قد أصبح هينا جدا فى عهد سليم الأول، وإنما بقى ذلك الشأن لرجال الدين دون سواهم تقريبا، وهذه المصادر المبكرة التى تكاد تتعاصر لا تكفل بأى حال من الأحوال صحة الرواية التى ظهرت بعد ذلك بقرنين ونصف قرن من الزمان، ومؤادها أن المتوكل تنازل رسميا عن الخلافة إلى سليم، ويبدو أن هذه الرواية قد وردت أول ما وردت فى مصنف دوسون (Tableau general de Emrire Othoman: D'Ohsson, باريس ١٧٨٨, جـ ١، ص ٢٣٢ و ٢٧٠) ثم ذكرها من بعد عدد من المؤرخين العثمانيين، ومن ثم صدقها الناس