بسرعة، وذهب قبقجى بعد ذلك بأسبوعين إلى الآستانة ومعه أتباعه وقد حمل قائمة حوت أسماء كل أنصار الإصلاح المشهورين، وسيق جل هؤلاء إلى "آت ميدان" وقتلوا، وكان السلطان يرجو فى هذه اللحظة الأخيرة أن ينقذ عرشه بخطِّ شريف يلغى به النظام الجديد، ولكن عزله عن العرش كان قد تقرر فعلًا، ففى اليوم التالى، أى اليوم الثانى والعشرين من ربيع الأول سنة ١٢٢٣ هـ (٢٩ مايو سنة ١٨٠٨ م)، أعلن المفتى لوفد من اليماق فى تهيب مصطنع أن خلع سليم عن عرشه أمر يتفق مع الشرع، ثم ذهب بعد هذه المهزلة إلى سليم ليبلغه قرار الشعب، وأذعن سليم فى الحال واعتزل الحكم، ولم يكن له ولد، فوضع على العرش مصطفى أكبر ولدى السلطان عبد الحميد، ولقّب بمصطفى الرابع.
ولقى سليم بعد ذلك بعام مصرعه عندما سار مصطفى بيرقدار إلى الآستانة بجنوده وجنود الصدر الأعظم جلبى مصطفى باشا ليمكن للإصطلاحات ويعيد سليمًا إلى عرشه، ودخل بيرقدار فى الرابع من جمادى الآخرة سنة ١٢٢٣ هـ (٢٨ يولية سنة ١٨٠٨ م) بجنوده الفناء الأول من أفنية السراى مطالبًا بالسلطان سليم، فأحل مصطفى عندئذ قتل سليم، الذى كان قد أرجئ إلى هذا العين، وأحل أيضًا قتل محمود أخيه هو الأصغر، ووصل بيرقدار متأخرًا لحظة فلم يستطع إنقاذ حياة السلطان السيئ الطالع، ذلك أنه كان قد قتل فعلًا عندما اقتحمت أبواب السراى، ثم جئ بمحمود أخى مصطفى من مخبئه ووضع على العرش.
وقد وصف سليم الثالث بأنه سلطان عظيم المواهب (انظر بوجه خاص ما رثاه به جودت، جـ ٨، ص ٢٦٢ وما بعدها)؛ ونظم قصائد وقعها باسم إلهامى (تخلص) ويقال إنه كان من أصحاب البراعة فى الموسيقى، وتثبت غيرته على الإصلاح أنه كان لمّاح الذكاء، إلا أن هذه الغيرة كان يحد منها ميله إلى الاهتمام بأدق التفصيلات، والظاهر أيضًا أنه لم يكن يطيق وجود أشخاص أقوياء بين خاصة بطانته، فقد