للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بهذه الروايات. ومهما كانت الأحوال فإن القرآن لا يلزمه شئ من هذه الإسرائيليات، ولو نقلها بعض المسلمين فى تفاسيرهم للكتاب، فإن القرآن ذكر النبوة والرسالة وبين أنهما مرتبتان بشريتان لا تقتضيان لمستحقيهما الارتفاع إلى درجة الألوهية ولا تخرجانهم عن دائرة الحالات الإنسانية، حتى قرر أن الأعمال الخارقة للعادة لا تصدر منهم إلا بإذن من الله لهم فهى ليست ذاتيه فيهم.

والمسلم مكلف، إن نظر فى تواريخ الأنبياء. أن يتبع الأسلوب القرآنى من التمحيص والتحقق والبعد عن الظنون إلا ما نص الكتاب على أنه معجزة فتلك يعزوها إلى قدرة الله الذى لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء.

بعد هذه المقدمة نقول إن المسلم لا يهمه أن يعرف من أمر إدريس [عليه السلام] أكثر من أنه كان صديقًا نبيًا، وأنه كان من الصابرين، وأن الله رفعه مكانًا عليًا كما ذكر عنه فى الكتاب. فأما ما وراء هذا مما ذكره المفسرون من أنه كان سبط شيث وجد أبى نوح عليه السلام، وما ذكره المستشرقون من أن إدريس [عليه السلام] هو أندرياس الذى كان طاهيًا للإسكندر، أو أنه أندرياس المذكور فى التوراة، وأنه عمر أكثر من ثلاثمائة سنة فكل هذا لا يلزم القرآن منه بشئ، وإن قاله مفسر فإنه يفعل ذلك باسم التاريخ لا باسم القرآن ولا باسم الدين، ولذلك فهو يعقب على مثل هذا بقوله: والله أعلم.

والذى ينظر فى كتب المسلمين يرى هذا الأسلوب ماثلًا فيها فى صورة لا يمكن الاشتباه فيها، خذ مثالًا لذلك ما كتبه العلامة البيضاوى فى تفسير آية إدريس، فقد قال فى تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} يعنى شرف النبوة والزلفى عند الله وقيل الجنة وقيل السماء السادسة والرابعة.

فانظر كيف فسر الكلام الإلهى بما يتبادر إلى الفهم منه لأول وهلة ثم لم يرد أن يوصد الباب فى وجه أصحاب الآراء المختلفة، فذكر أن بعضهم فسر مكانًا عليا بالجنة وبعضهم بالسماء، ولكن لاحظ أنه ذكر هذه الآراء بصيغة