للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بتشنيعهم على السهروردى، وبأنه إذا أبقى عليه أفسد اعتقاد الملك، وإذا أطلق أفسد أية ناحية سلك، فلم يجد صلاح الدين بدا من الكتابة إلى ابنه يأمره بقتل السهروردى، ويشدد عليه فى ذلك ويؤكده، فاستفتى فقهاء حلب فى أمر السهروردى فأفتوا بقتله. وأكبر الظن أن يكون السهروردى قد أثار ثائرة الفقهاء لما كان يصطنعه ويمتاز به عليهم من استقلال فى الرأى وحرية فى الفكر وعدم التحفظ فيما كان يصدر عنه من قول أو فعل فكان هذا كله سببا فى وقوع ما وقع بينه وبين الفقهاء من شنآن وتباغض. ويدل على ذلك قول فخر الدين الماردينى الذى صحبه السهروردى زمانا، وكان فى صحبته له موضع إعجابه بذكائه وعلمه، فقد قال الماردينى فى السهروردى: "ما أذكى هذا الشاب وأفصحه، ولم أجد أحدا مثله فى زمانى. إلا أنى أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره وقلة تحفظه أن يكون ذلك سببا لتلفه (الشهرزورى: نزهة الأرواح، ص ٢٣٥). وقد روى ابن رقيقة قول الماردينى هذا، وزاد عليه قوله هو: "لما بلغ شيخنا فخر الدين الماردينى قتله قال لنا: أليس كنت قلت لكم عنه هذا من قبل، وكنت أخشى عليه منه؟ " (ابن أبى أصيبعة: عيون الأنباء فى طبقات الأطباء، جـ ٣، ص ١٨٦).

ومهما يكن من إعجاب الماردينى بالسهروردى وإكبار غيره له، فإن هذا الإكبار وذلك الإعجاب لم يعف أحدهما أو كلاهما السهروردى من حكم القتل. أما كيف نفذ فيه الحكم، وعلى أى وجه قتل، فذلك ما تضاربت فيه الأقوال، واختلفت حوله الروايات: فقد قيل إن السهروردى لما بلغه نبا الإفتاء بقتله وتحقق منه اختارأن يحبس فى مكان ويمنع من الأكل والشرب إلى أن يموت، ففعل به ذلك؛ وقيل إنه قتل بسيف، أو إنه حط من القلعة وأحرق؛ وقيل إنه قتل وصلب أياما (الشهرزورى نزهة الأرواح، ص ٢٣٤؛ ياقوت: معجم الأدباء جـ ١٩، ص ٣١٦؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان، جـ ٢، ص ٢٦٣). ومهما يكن من اختلاف هذه الأقوال فقد روى أحد المؤرخين المعاصرين للسهروردى، وهو ابن شداد، أنه لما كان يوم الجمعة بعد