على أن شيخ الإشراق، وإن كان مقبلا على الفلسفة وأنظارها، ومعنيا بالمنطق هذه العناية الفائقة التى يظهرنا عليها القسم الأول من كتابه "حكمة الإشراق" وغير هذا الكتاب من كتبه الأخرى التى أحصيناها فيما سبق، فهو قد وقف من أفلاطون موقف المخالف فى بعض المسائل، ووقف من أرسطو وأتباعه من المشائين موقف الناقد المجرح لآرائهم فى بعض المسائل الأخرى: فالمنطق الأرسططاليسى الذى يفرد له السهروردى أقساما خاصة من مصنفاته العدة، لم يسلم من نعيه عليه، ونقده له، بما يبين نقصه وعمقه وعجزه عن أن يضيف إلى معارفنا معرفة جديدة: فالتعريف مثلا، وهو كما وضع قواعده المعلم الأول بالجنس والفصل، ليس أداة منتجة فى طريق المعرفة، ذلك بأن شيخ الإشراق يرى أن الخاصة المميزة للشئ المعرف لا تظهرنا على حقيقة هذا الشئ المعرف فنحن حين نعرف الحصان مثلا نعرفه بأنه حيوان صاهل. فأما الحيوانية فمفهومة لدينا لأننا نعرف حيوانات كثيرة توجد فيها هذه الخاصة؛ وأما الصاهل فأمر ليس مفهوما بعد، لأنه لا يوجد إلا فى الشئ المعرف به وهو الحصان؛ ومن هنا كان تعريف الحصان بأنه حيوان صاهل خلوا من المعنى لدى الشخص الذى لم يكن قد رأى حصانا قط؛ ومن هنا أيضا كان التعريف الأرسططاليسى مبدأ عقيما قليل الجدوى فيما يتعلق بالمعرفة. ولقد لاحظ الدكتور محمد إقبال أن السهروردى فى نظره إلى تعريف أرسطو على هذا الوجه، كان أسبق من أحد المناطقة المعاصرين وهو بوزانكيه Develipment of Metaphysics in Persia: M.Iqbal) Bosanquet ص ١٢٥) وينتهى السهروردى إلى أن التعريف الصحيح هو الذى يحصى فيه كل الخصائص الذاتية التى إذا أخذت جملة لم توجد إلا فى الشئ المعرف، ولو أنها قد توجد فرادى فى أشياء أخرى.
على أن نقد السهروردى لمنطق المعلم الأول، ولغير المنطق من العلوم والآراء الفلسفية عند هذا المعلم الأول وعند غيره من الفلاسفة السابقين عليه أو اللاحقين به، لا يعنى أن حكيم الإشراق كان ينكر على المنطق والفلسفة مالهما