من آثار بعيدة فى تكوين طلاب الحكمة وتثقيفهم: فطالب الحكمة عنده لابد من أن يكون على علم تام بالمنطق والفلسفة والتصوف، ولابد من أن يتعاون فيه العقل والذوق، إذ العقل الذى يروى ويفكر وحده دون أن يكون له مؤيد من الذوق، ليس من الثقة فيه والاطمئنان إليه بحيث ينتفى فيه كل شك وتزول عنه كل شبهة وآية هذا كله فى مذهب السهروردى فى حكمة الإشراق هى أن هذا المذهب إنما هو فى جملته وتفاصيله جمع أو ازدواج وتزاوج بين الفلسفة والتصوف، أو بين الحكمة البحثية والحكمة الذوقية. وقد عبر الشهرزورى عن ذلك الجمع بين هاتين الحكمتين، وعن منزلة السهروردى فيهما؛ وذلك إذ يقول عنه "جمع بين الحكمتين، أعنى الذوقية والبحثية. أما الذوقية فشهد له بالتبريز فيها كل من سلك سبيل اللَّه عز وجل، وراض نفسه بالأذكار المتوالية، والمجاهدات المتتالية، رافضًا عن نفسه التشاغل بالعالم الظلمانى، طالبا بهمته العالية مشاهدة العالم الروحانى، فإذا استقر قراره وتهتك بالسير الحثيث إلى معاينة المجردات أستاره، حتى ظفر بمعرفة نفسه، ونظر بعقله إلى ربه، ثم وقف بعد هذا على كلامه، فيعلم حينئذ أنه فى المكاشفات الربانية آية، والمشاهدات الروحانية نهاية. . . وأما الحكمة البحثية فإنه أحكم شأنها، وشيد أركانها وعبر عن المعانى الصحيحة اللطيفة بالعبارات الرشيقة الوجيزة. وأتقنها إتقانا لا غاية وراءه. . . "(الشهرزورى: نزهة الأرواح، ص ٢٣٠ - ٢٣١).
ولعل أدل ما يدل على أن مذهب السهروردى فى حكمة الإشراق قد أقيم على دعائم من العقل والذوق معا، هو ما يحدثنا به السهروردى نفسه فى مقدمة كتابه "حكمة الإشراق" من أن ما حصل له لم يحصل بالفكر. بل كان حصوله بأمر آخر، ثم طلب الحجة عليه، حتى لو قطع النظر عن الحجة مثلا، ما كان يشككه فيه مشكك، لأن ما يذكر من علم الأنوار وجميع ما يبتنى عليه، يساعده عليه كل من سلك سبيل اللَّه عز وجل؛ وما يحدثنا به أيضا من أن منهجه فى "حكمة الإشراق" هو ذوق إمام الحكمة "أفلاطون" الذى يلقبه