بصاحب الأيد والنور، وما يعدده بعد هذا من المصادر التى استقى منها حكمته، وأنها كانت هرمس وأنبا ذوقليس وفيثاغورث, وأن هذا هو الأساس الذى تقام عليه قاعدة الإشراق فى النور والظلمة التى كانت طريقة حكماء الفرس مثل جاما سف وفرشا وشتر وبزرجمهر ومن قبلهم، وأن هذه القاعدة ليست قاعدة كفرة المجوس وإلحاد مانى وما يفضى إلى الشرك باللَّه تعالى وتنزه (حكمة الإشراق: طبعة هنرى كوربان، ١٩٥٢، ص ١٠ - ١١). وهاهنا يصطنع السهروردى فى التعبير عن مذهبه فى حكمة الإشراق رموزا خاصة يدل بها على المعانى التى يعنيها مما يسميه علم الأنوار: فهو يأخذ بالتقابل بين النور والظلمة، ويرمز إلى الروحانى بالنورانى، وإلى المادى بالظلمانى، وإلى العقول بالأنوار، وإلى عقول الأفلاك بالأنوار القاهرة، وإلى النفوس بالأنوار المدبرة، وإلى الأجسام بالبرازخ، وإلى اللَّه بنور الأنوار، إلى غير ذلك من الرموز الكثيرة التى حفل بها كثير من مصنفاته ومنظوماته، وكلها يظهرنا فى وضوح وجلاء على أن تسميته لحكمة الإشراق بهذا الاسم أو باسم علم الأنوار، إنما ترجع إلى ذلك التقابل بين النور والظلمة على الوجه الذى لا يخفى وراءه تأليه النور والظلمة على مذهب زرادشت أو مذهب مانى. وإنما كل أولئك عنده رموز يعبر بها عن حقائق وجودية، وعن صلة هذه الحقائق بعضها ببعض، وتأثير بعضها فى بعض، وترتيب بعضها درجات فوق بعض أو دون بعض.
ولكى نعرف منزلة حكمة الإشراق السهروردية بين الحكمتين البحثية والذوقية، يحسن أن نقف مع شيخها عند تصنيفه لمراتب الحكماء من ناحية، ومراتب طلاب الحكمة من ناحية أخرى:
فالحكماء عند السهروردى مراتب: حكيم إلاهى متوغل فى التأليه عديم البحث. وهو كأكثر الأنبياء والأولياء من الصوفية (١) أمثال أبى يزيد البسطامى، وسهل بن عبد اللَّه التسترى، والحسين ابن منصور الحلاج؛ وحكيم بحاث عديم التأله. وهو كالمشائين من أتباع