أرسطو فى المتقدمين، وكالفارابى وابن سينا فى المتأخرين؛ وحكيم إلاهى متوغل فى التأله والبحث، وهذا هو الحكيم الإشراقى الذى يجمع بين الحكمتين الذوقية والبحثية على نحو السهروردى نفسه؛ وحكيم إلاهى متوغل فى التأله متوسط فى البحث؛ وحكيم إلاهى متوغل فى التأله ضعيف فى البحث؛ وحكيم متوغل فى البحث متوسط فى التأله؛ وحكيم متوغل فى البحث ضعيف فى التأله، وليس من شك فى أن أرقى هذه المراتب وأسماها هى مرتبة الحكيم الإلاهى المتوغل فى التأله والبحث جميعا (١)(حكمة الإشراق: ص ١١ - ١٢).
وكذلك طلاب الحكمة فهم مراتب أيضا: طالب للتأله والبحث؛ وطالب للتأله فحسب، وطالب للبحث فحسب. وأجود الطلاب هو من غير شك طالب التأله والبحث ومن هنا قال السهروردى إنه كتب كتابه "حكمة الإشراق" لطالبى التأله والبحث؛ أما الباحث الذى لم يتأله، أو الطالب الذى لم يطلب التأله والبحث جميعا، فليس له فى هذا الكتاب نصيب (حكمة الإشراق: ص ١٢).
ولقد كانت حياة السهروردى الروحية طالبا للعلم أو حكيما للإشراق، صورة صادقة لطالب التأله والبحث من ناحية، وللحكيم الإلاهى المتوغل فى التأله والبحث معا من ناحية أخرى، وذلك على الوجه الذى بيناه مفصلا فى بحثنا عن حكيم الإشراق وحياته الروحية (الدكتور محمد مصطفى حلمى: حكيم الإشراق وحياته الروحية، مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة، المجلد الثانى، ديسمبر سنة ١٩٥٠, ص ٥٩ - ٩١).
فإذا أوغلنا مع السهروردى فى أعماق مذهبه الإشراقى، ألفينا هذا المذهب يدور عنده على محور واحد هو النور، وألفينا لهذا النور مراتب هى فى حقيقتها مراتب الوجود من أعلاها إلى أدناها: فالمبدأ الأول لكل وجود هو النور القاهر أو النور الأول لكل المطلق؛
(١) يبدو من هذا أنه يضع الحكيم الإشراقى فوق مرتبة الأنبياء (راجع آخر الصفحة السابقة)، ولعل هذا مما أثار على السهروردى ثائرة أهل عصره. [د. مهدى علام]