وحقيقة النور أو ماهيته إنما هى فى ظهوره، وهذا يعنى أن الظهور ليس صفة من الصفات التى تحمل على النور، إذ لو كان ذلك كذلك لترتب عليه ألا يكون للنور فى ذاته ظهور ما، وأن يكون ظاهرا بشئ آخر ظاهر فى ذاته، وهذا محال؛ ومن هنا لم يكن للنور الأول المطلق علة أخرى غير ذاته، وكان كل ما سوى هذا النور الأول المطلق حادثا وممكنا ومفتقرا إليه، بقدر ما هو قديم وواجب وغنى. وقد عبر السهروردى عن حقيقة النور، وذلك إذ يقول:"إن كان فى الوجود ما لا يحتاج إلى تعريفه وشرحه فهو الظاهر، ولا شئ أظهر من النور، فلا شئ أغنى منه عن التعريف"(حكمة الإشراق، ص ١٠٦). وإذا كان ذلك هو النور، فإن الظلمة عند حكيمنا ليست إلا عبارة عن عدم النور فحسب، ومن هنا رأى السهروردى أن الشئ ينقسم إلى نور وضوء فى حقيقة نفسه، وإلى ما ليس بنور وضوء فى حقيقة نفسه (حكمة الإشراق, ١٠٧ - ١٠٨) ولقد أظهرنا السهروردى على حقيقة نور الأنوار من خلال الصفات التى وصفه بها: فنور الأنوار نور محيط، لأنه يحيط بجميع الأنوار لشدة ظهوره وكمال إشراقه ونفوذه فيها للطفه؛ وهو قيوم لقيام الجميع به؛ وهو مقدس لأنه منزه عن جميع صفات النقص؛ وهو الأعظم الأعلى إذ لا أعظم ولا أعلى منة بين الأنوار جميعا؛ وهو قاهر لأنه يقهر ما دونه من الأنوار، وذلك لشدة إشراقه وقوة لمعانه؛ وهو غنى مطلق إذ ليس وراءه شئ يفتقر إليه، ولا دونه شئ يستغنى عنه؛ وهو قبل هذا كله وبعد هذا كله واحد؛ ومن هنا ينتهى السهروردى إلى نور الأنوار بحكم طبيعته وحقيقته وأحديته، إنما هو واجب الوجود بذاته، وما عداه واجب به ومفتقر إليه، ومستمد وجوده منه.
وهكذا نتبين أن مذهب السهروردى فى حكمة الإشراق كان بدعا بين الأذواق الصوفية والأنظار الفلسفية كما كان مزاجا من هذه الأنظار وتلك الأذواق خرج منه نسق واحد جديد، أخص خصائصه بين العلوم والفلسفات الإسلامية العمق والطرافة والتجديد.